ثمة تساؤل يلف الأوساط الاقتصادية، مفاده: هل بوسع مديري الصناديق التي تساهم فيها الجهات الحكومية في إعادة الثقة إلى المستثمرين، بعد أن تكبدت مؤشرات بورصة الكويت خسائر كبيرة خلال الفترة الماضية؟ حيث تراجعت القيمة السوقية للشركات المدرجة خلال شهر سبتمبر نحو 5.2 في المئة، تضاف إلى خسائر شهر أغسطس، وبلغت 2.9 في المئة على ما كانت عليه في الأشهر السابقة.الإجابة عن هذا التساؤل تحتفظ بتفصيلات لا أحد يريد الحديث عنها، خاصة من جانب الجهات الحكومية، حتى وإن كانت هناك أصابع مصادر معنيّة تشير الى أن بعض مديري الصندوق في موقف الحرج تجاه بعض الشركات الاستثمارية، في ظل التراجعات التي يشهدها السوق، خاصة أن لدى البعض قناعة بأن الأسعار الحالية فرصة للبيع وإعادة الشراء مرة أخرى، لتكوين أسهم بنفس المكونات السابقة بأسعار أقل في التكلفة!
مصادر استثمارية قالت لـ «الجريدة» إن حرفية وخبرة مدير الصندوق تتحكمان بشكل كبير في أداء الصندوق، لكونه المعني ببناء السياسة الاستثمارية والهدف من تملّك عناصر مكونات هذه الصناديق، إضافة الى أنه مصدر اتخاذ القرار الاستثماري مرورا بنسب وقف الخسارة إلى تحديد نسب الاكتفاء والقناعة بربح محدد، أي بمعنى أن احترافية مديري الصناديق باتت اليوم على محكّ تراجعات البورصة.وذكرت أن قرار اختيار مكونات الصندوق تتفاوت بين مدير وآخر، حيث يستهدف المدير تملّك حصة معيّنة في رأسمال الشركة، والاستفادة من الأرباح السنوية المحققة، وهناك آخر تكون له رؤية مضاربية يمكن من خلالها تحقيق الفروق في الأداء، لكونه يضع لنفسه كمية محددة من نوعية مختارة من الأسهم قد يجني من خلال الاستثمار فيها عوائد جيدة، تساهم في تحقيقه أداء متميزاً عن نظائره من الصناديق الأخرى.وأضافت المصادر أن سياسة بعض مديري صناديق الاستثمار خلال هذه الأيام إما المجاملة والتمسك قدر الإمكان بقرار التخلي عن السهم في الوقت الراهن؛ أو «مع الخيل يا شقرا» في آخر المطاف، في ظل استمرار هذه التراجعات مع ضبابية الأجواء المستقبلية في السوق خلال الأشهر المقبلة.
أيديولوجية محرقة
هذه الأيديولوجية عند مديري الصناديق الاستثمارية «أحرقت» السوق بأكمله، وكبدت المستثمرين خسائر طائلة خلال سنوات الأزمة الماضية، لأنها كانت تدار بطرق غير مستنبطة من الدراسات الاقتصادية والمالية عن أوضاع الشركات وقوائمها المالية التي تم اختيار أسهمها للاستثمار، وإنما باتفاقات أقل ما يقال عنها إنها تضر بصغار المستثمرين وتصبّ في خانة الكبار.وترى مصادر أن صناديق الجهات الحكومية المتعاملة في السوق المالي لم تستطع إقناع المستثمرين بجدوى دورها، خاصة في ظل عموم حالة «البيع» على جلسات التداول في السوق لعدة أيام متتالية، فهناك عمليات بيع لمطلعين، ولكبار الملّاك، حتى بعض الشركات باعت أسهم خزانتها لتزايد المخاوف لديهم.ومن المحزن أن يفقد المستثمر جانبا استثماريا مهمّا يتمثل في «مدى حرفية مدير الصندوق» التي باتت محل تشكيك كثير من المتعاملين، وبالتالي ستخسر جزءا مهما في الاستثمار، وهو العامل الرئيسي الذي يأتي عن جمع أكبر قدر ممكن من الأموال «المعطلة» - عند المواطنين - لاستثمارها على المديين المتوسط والطويل الأجل.وستتحول هذه الأموال «المعطلة» إلى إنشاء محافظ فردية كانت الصناديق سببا في هروبها.. وزادت من العبء على السوق المالي ككل، مما سيؤدي إلى تذبذب السيولة «وإرباك» المؤشر العام لسوق الأسهم المحلية، عبر محافظ «فردية» تدار بفلسفة أفراد ليست لديهم الخبرة الكافية، ولا الثقافة الاستثمارية التي تؤهلهم لاقتناص الأسهم الجيدة، واختيار الشركات ذات الأرباح المستقبلية بناء على سعرها العادل، وإنما عن طريق «يانصيب».عوامل سلبية
وحددت المصادر بعض العوامل التي ساهمت في تراجع السوق خلال الأيام الماضية من خلال عدة شواهد تمثّلت في قيام بعض كبار الملاك المستثمرين بيع أسهمهم، والأحداث الجيوسياسة والتوتر السياسي والعسكري في المنطقة، في ظل حادثة «أرامكو» واختراق الأجواء الكويتية، فضلا على القلق إزاء صحة سمو أمير البلاد، التي شغلت شغل القاصي والداني، الى حين صدور تطمينات رسمية بالسلامة والعافية.وأشارت الى أن حالة البيع تسيطر على شريحة كبيرة من المتعاملين في السوق، خصوصا الشركات التي لم تلحق بقوائم الترقية الى الأسواق الناشئة، أو حتى هذه الأسهم وتعرّضها لعمليات تصحيحية، بعد الارتفاعات التي جرت على واقع الترقية.ولفتت المصادر الى أن عدم التزام مدير الصندوق بوجود حد أدنى للسيولة والكاش الذي بحوزته قرار يجب إعادة النظر فيه، خصوصا أن «الكاش» في ظل الظروف الحالية له فوائد عديدة، إما تدفع مدير الصندوق الى الاستفادة من الفرص والدخول على بعض الفرص الاستثمارية التي تحقق له عوائد، تعود قرار الدخول عليها من عدمه الى مدى رؤية ودقة حرفية هذا المدير، خصوصا أن بعض الأيام تشير الى ضرورة الحاجة الى وجود نسبة من السيولة والكاش المتوافر لدى المديرين لتحصيل بعض الفرص الاستثمارية، أو منحه الثقة بقدرته على الوفاء بالتزاماته ومواجهة الاستحقاقات وسدادها في ظل ضابية الموقف.تحركات حكومية
وأشارت المصادر الى أن هيئة الاستثمار اتجهت خلال الفترة الماضية الى خفض ملكيتها في بعض الصناديق التي تساهم فيها، لاسيما بعد تجاوز نسبة المساهمة المسموح بها، وهي 75 في المئة، على إثر المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة، وطالب بتصحيحها خلال الفترة الماضية.وبينت أن الهيئة طلبت من بعض الصناديق التي تساهم فيها ضرورة تحسين وترقية أدائها، بعدما تبين أن أداءها لا يتناسب مع أداء المؤشر من حيث الأوزان والأداء، لاسيما أن هذا الأداء مرتبط بأداء بالتحسن الذي طرأ على مجريات بورصة الكويت للأوراق المالية.وأوضحت أن بعض الصناديق لم يتناسب أداؤها مع المكاسب التي حققتها بورصة الكويت في بعض الأوقات، خصوصا بعد ترقيته الى نادي الأسواق الناشئة، على أثر الترقية من مؤسسة فوتسي راسل، والترقية المرتقبة من «مورغان ستانلي» و»ستاندرد آند بورز»، خصوصا أن الهيئة تعد أكبر الجهات المستثمرة في بورصة الكويت للأوراق المالية.رقابة الهيئة
تجدر الإشارة الى أن عمليات هيئة أسواق المال تدفع الى ضرورة التأكد من مدى كفاءات مدير الصندوق وقدرته ليكون المسؤول عن جميع عملياته، وخاصة في ظل مشروعها للوظائف الواجبة التسجيل، التي تساعدها في التأكد من مدى توافر الخبرات والشهادات المعتمدة التي تؤهل أصحاب هذه الوظائف للقيام بالدور المطلوب منهم.