طوت تونس صفحة زين العابدين بن علي الذي دفن في المدينة المنورة في السعودية السبت بشيء من اللامبالاة في أجواء تطغى عليها حملة الاقتراع التشريعي، بدون أن تغلق الكثير من ملفات فترة الاستبداد.

والسبت، ووري جثمان بن علي الثرى في مقبرة البقيع قرب المسجد النبوي، وهي أقدم مقبرة إسلامية في المدينة المنورة منذ عهد النبي محمد، ودفن فيها، بحسب روايات تاريخية، أفراد كثيرون من عائلة النبي والصحابة.

Ad

وكان بن علي الذي أسقط تحت ضغط الشارع في 14 يناير 2011 بعد أن حكم تونس 23 عاما بنظام أمني صارم، توفي الخميس في المنفى في مدينة جدة بغرب السعودية عن 83 عاماً.

ولم يشكل نبأ وفاته الاهتمام الاول في نشرات الاخبار ولا في احاديث التونسيين الذين يستعدون لانتخاب نواب برلمانهم في 6 أكتوبر المقبل، ثم انتخاب رئيسهم من بين مرشحين اثنين من خارج المنظومة هما الأكاديمي قيس سعيد الذي يدعو الى لامركزية وحكم محلي، ونبيل القروي رجل الأعمال وقطب الإعلام الموقوف حاليا.

ولم يتجاوز الأمر نشر نبأ الوفاة باقتضاب مع إعلان صغير في صحيفة "لابرس" الحكومية الناطقة بالفرنسية، يعلن ان بن علي سيوارى السبت في المدينة المنورة وأن قسما أسرته سيتلقى التعازي الأحد في ضاحية سيدي بوسعيد الراقية بشمال العاصمة.

أما أرملته ليلى الطرابلسي التي تعيش حياة مرفهة في جدة مع ابنتيها نسرين وحليمة وابنها محمد، فقد صدرت بحقها أحكام قاسية غيابياً في تونس بعد إدانتها باختلاس أموال وحيازة أسلحة ومخدرات وقطع أثرية.

وصدرت على بن علي أيضا أحكام عدة بالسجن المؤبد خصوصا لإدانته بالقمع الدامي لمتظاهرين أثناء ثورة أواخر 2010 وبداية 2011 التي سقط فيها أكثر من 300 قتيل. لكنه لم يمثل يوما أمام القضاء.

واعتبر أكرم عازوري أحد محامي بن علي أن "الرئيس الثاني للجمهورية التونسية بات الآن من الماضي، والتاريخ سيصدر حكمه عليه".

وتجري محاكمات عديدة حاليا خصوصا بفضل تحقيقات "هيئة الحقيقة والكرامة" التي كلفت كشف الانتهاكات التي شهدتها تونس بين 1955 و2013. وجمعت هذه الهيئة شهادات ووثائق وصفحات من الأرشيف الرسمي وذلك بغرض إحالة مقترفي الإنتهاكات ومن أمر بها وصولا الى بن علي ذاته، على محاكم مختصة.

وعقدت هذه الهيئة خلال فترة عملها 14 جلسة علنية منحت فيها الكلمة لأقارب مفقودين رووا عذاباتهم، وكذلك لعماد الطرابلسي شقيق زوجة بن علي الذي تحدث بالتفصيل عن منظومات الفساد خلال فترة نظام بن علي الذي كان من أعمدته.

كانت زمرة زوجته المكروهة في تونس دمرت اقتصاد البلاد، كما ذكر تقرير مفصل للبنك الدولي في 2014.

وقال التقرير إنه في نهاية 2010 كان ال114 شخصا الذين ينتمون إلى هذه الزمرة يملكون 220 شركة تسيطر على "21 بالمئة من الارباح السنوية للقطاع الخاص في تونس، اي 233 مليون دولار، ما يساوي أكثر من 0,5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي".

وبعد هروب بن علي تمت مصادرة مئات الشركات والعقارات والسيارات الفاخرة والمجوهرات التي كانت ملك أسرته وعشرات من المقربين منه، وعهد بها الى صندوق تابع للدولة "الكرامة القابضة".

وبات هذا الصندوق يملك خصوصا 51 بالمئة من أسهم الشركة المشغلة لخدمة الهاتف في تونس "اورانج" ومعظم أسهم أهم شركة للاسمنت في البلاد "اسمنت قرطاج" وأراضي زراعية وقصورا وغيرها.

لكن الدولة التونسية لا تزال بعيدة من استعادة الاموال المنهوبة.

وبعد صعوبات في إطلاقه، استعاد صندوق "الكرامة القابضة" نحو ملياري دينار تونسي (600 مليون يورو) من المساهمات في شركات خاصة منذ 2011، منها 500 مليون دينار في 2018، بحسب رئيس مجلس ادارتها عادل قرار.

لكن الشركات المصادرة المثقلة بالديون، تكاد لا تجد من يشتريها.

وترسو يخوت ومراكب تهالكت بسبب الرطوبة في ميناء سيدي بوسعيد، مقدمة دليلا ملموسا على صعوبات تقدير أملاك عصابة بن علي وبيعها.

وتمت مثلا إعادة عرض سيارات فاخرة وعربة تخييم مجددا للبيع في 2018، لكن لم يبد احد اهتماما بها.

وغذت الازمة الاجتماعية والاقتصادية في تونس حنينا الى ما قبل 2011 باعتبارها سنوات أكثر ازدهارا.

لكن النتيجة التي حصلت عليها الاحد الماضي في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية عبير موسي المرشحة الوحيدة التي دافعت عن حزب بن علي، تؤكد ان العودة الى الوراء لا تلقى تجاوبا من التونسيين.

وقد حلت في المرتبة التاسعة ونالت 4 بالمئة من الاصوات.