«الصبي سارق الفجل»
"الصبي سارق الفجل" هي أول رواية للأديب الصيني مو يان، الذي حصل على جائزة نوبل العالمية سنة 2012، وقبلها حاز جائزة نونينو الدولية، وكذلك شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة هونغ كونغ.رواية يان تنقل وقائع من تاريخ الصين مثله مثل الكاتب الصيني جاو، الذي حصل على جائزة نوبل عام 2000 عن رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" التي صدرت 1987، وهناك أيضاً رواية "رمز الذئب" لكاتبها الصيني يانغ رونغ، والروايات الثلاث تنقل الوقائع في المجتمعات الريفية والصحاري المنغولية والتاريخ الواقعي للحياة فيها الذي يبدو من شدة غرائبيته وقسوته غير قابل للتصديق، وكأنه أساطير لا تنتمي إلى واقعها، وتبدو كتابتها كالواقعية السحرية التي تنطبق عليها تمام الانطباق، وكأن هذا الاصطلاح قد فُصّل لها، وهو المعنى المقصود تماماً من مفهوم الواقعية السحرية، أي أن الواقع من شدة غرابته وغير قابلية تصديقه تنقله وتحوله إلى مفهوم السحر الذي ينفي الواقع بأن يحوله إلى أبعد من كونه واقعاً."الصبي سارق الفجل" واقعيتها من شدة غرائبيتها تنقلها إلى عوالم سحرية أسطورية، تكتمل ملامحها مع صورة هذا الصبي الصامت، المثال الكامل لقسوة الحياة والفقر والقهر والعذاب لطفولة سُحق مفهومها ومعناها، والذي يعمل حداداً وسط بيئة لا ترحم الضعفاء.
أجاد الكاتب مو يان بنحت وتصوير الصبي من الخارج والداخل، حيث كان هو الصبي ذاته، وربما نقل إليه الكثير من متاعب وأحاسيس طفولته القاسية أيضاً في قريته، وهذا واضح من التماهي بروح الصبي وشخصيته.الجميل في الرواية دقة الوصف الذي يكاد أن يتحول إلى لوحات حية متحركة بمشاهد سينمائية: "كان الوقت متأخراً جداً، بينما كان لا يزال يتولى عملية النفخ ببطء ملحوظ، حتى انخفض صوت المنفاخ فأصبح مثل شخير الرضيع، وأصبح صوت جريان مياه النهر في غاية الوضوح، حتى بدا وكأنه صوت ذو شكل ولون واضحين، حتى يخيل إليك وكأنك لا تسمعه فقط بل أنك تسمعه وتراه. ففي صباح يوم ما، كانت الفتاة قد لمحته لحظة خروجه من داخل فتحة الجسر وقد امتلأ شعر رأسه ببقايا القش، وهكذا كان الصبي الأسمر يجتهد بنفخ الكير وهو يتلوى من شدة التعب وكأنه هو الذي يتعرض للنفخ وليس الذي يقوم به، وقد كان ينحني ويرتفع بجسده بحركات سريعة وقد بدأ رأسه مثل ثمرة بطيخ تطفو على سطح مياه النهر، وعيناه السوداوان تبرقان من شدة التركيز والتعب".الرواية رغم واقعها التعس المؤلم الحزين فإنها لا تهز المشاعر بشدة، وتبقي مسافة بينها وبين قارئها، ورغم المشاهد المرسومة والموصوفة بدقة وجمال فإنها فاقدة للطاقة الروحية الوجدانية، وتقيم حواجز عاطفية انفعالية بينها وبين القارئ، ربما نتج هذا البرود وعدم القدرة على نقل الطاقة الحسية إلى إحساس القارئ الذي يقرأها بدون أدنى انفعال من الترجمة، لأنه يصعب علي أن أقول إنه ناتج عن طريقة كتابة المؤلف الذي حصد جائزة نوبل للرواية وترجمت رواياته إلى لغات العالم.وهناك ملحوظة أخرى قد تكون سبباً أدى إلى برود الطاقة الحسية للرواية، وهي أن كمية الشتائم باللهجة المصرية لم تعكس المجتمع الصيني ولم تنطبق على الصورة الذهنية للصيني لدى القارئ العربي، فترجمة الحوارات باللهجة المصرية أدى إلى حدوث فجوة في القبول والرضا بالتلقي بسبب تنافر تركيب الصورة الذهنية للشخصية المصرية الناضحة بلهجتها عند المتلقي، وتركيبها على الشخصية الصينية أيضاً الراسخة صورتها لدى المتلقي، فهل تتخيل مثلاً عراكاً صينياً باللهجة المصرية: "ظهر نائب العمال ليوتاي يانغ وراح يخاطب الصبي الأسمر قائلاً: هو أنت لسه قاعد يا أسود أنت، دا أنا كنت فاكرك هربت مع الأسطى بتاع الستات! ثم سأل النائب ليو الحداد الشاب: وأنت يا أعور، أديك خلاص عرفت تخلص من الأسطى بتاعك، ولكن إياك تأخر العمل في الفرن، ولو اكتشفت إنك بتلعب بديلك هاقلعلك عينك العورة. فقال الحداد: خير يا حبيبي ليه كده؟ افتح عينك العورا وبص كويس، دا الشنيور بتاعك باين عليه مكسور، شوف الكلب الملعون، هو أنت قاصد تعمل كده"؟ اللغة العربية فيها مناطق شاسعة ومتنوعة للسخرية والضحك والإيحاء بأنها لهجة عامية، لا أدري لماذا لم يستغلها المترجم لمنح الرواية مصداقيتها؟