أكد الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني، أن أسعار النفط عموما هي محل اهتمام المضاربين في الأسواق المالية فقط، وهو المستفيد الأوحد من فوارق الأسعار، سواء صعودا أو هبوطا، لافتا الى أن ذلك التذبذب في الأسعار يسبب إزعاجا للمشتري وللمنتجين، سواء كانوا دولا أو شركات تعمل في القطاع النفطي، حتى أن مشتري الخام يتأذون من أن يكون الهدف من الإنتاج فقط هو التركيز على السعر، بعيدا عن الأساسيات الاقتصادية.

وأضاف أن على «أوبك» أن تبدي اهتماما أكثر بهذه القضية، لكونها تعمل على استقرار موازنات دولها، فضلا عن تقليل المخاطر بشأن الاستثمارات النفطية في المستقبل؛ لافتا الى أن عمليات تحريك الأسعار يدخل فيها جانب قانوني، حسب قوانين منظمة التجارة العالمية، حيث إنها تقاوم وتحاسب على قضية الاهتمام بالأسعار وتحريكها بقصد، إذ يتناقض ذلك وقوانين منظمة التجارة والنظام التجاري العالمي والاحتكار وتبعاته، مشيرا الى أن «أوبك» تعلّمت وتغيرت كثيرا من تصريحات المسؤولين السابقين في المنظمة، والتي كانت تتسم غالبا بالتخبط.

Ad

محاولات للضغط

وحول المخاوف من ضعف الطلب على الخام في المستقبل، أوضح بهبهاني أن مبعث هذه المخاوف والقلق غلب عليه الجانب الجيوسياسي في كثير من مراحله، فنجد سابقا أن القضية العالمية كانت حول مدى وجود مخزونات تكفي لتعويض العالم بالطاقة، كما رفع البعض شعار وصول المخزونات للذروة، ثم تكررت مرة أخرى من خلال الضغط على الوقود من الناحية البيئية والغازات الدفيئة، أيضا كانت هناك محاولات من الضغط من خلال الطاقة البديلة والمتجددة.

ولفت الى أن بحوث الطاقة المتجددة تأخرت كثيرا، ولم تجد نفعا، فضلا عن كلفتها العالية؛ كاشفا أنه تم صرف نحو 5 تريليونات دولار على أبحاث تلك الطاقة، وكان الناتج ركيكا للغاية.

انبعاثات غازية

وحول أن المستقبل سيكون لصناعة الغاز الطبيعي، ذكر بهبهاني أن مخزونات الغاز في تصاعد مستمر، وبحوث تقليل انبعاثاتها الغازية مجدية للغاية ومتسارعة، وتعد أفضل بمراحل من بحوث الطاقة المتجددة. وقال إن عمليات اكتشاف الغاز تعد سهلة، وإنتاجه مرن، وإن مخزوناته حول العالم كبيرة للغاية، والمكتشف منه يقدر بنحو 7 تريليونات قدم مكعبة، لكن مشكلته الوحيدة هي عمليات نقله، لكونه يحتاج الى معدات وأدوات كثيرة، مبينا الكويت فقدت البوصلة من حيث أولويات قطاع الغاز ضمن استراتيجيتها المستقبلية، رغم أنه موجود بكثرة في شمال وجنوب وغرب البلاد، وهو لافت للنظر بحرارته العالية؛ مشيرا الى أن هناك مشكلة كبيرة في عدم وجود حلول بحقل الدرة الذي يحتوي على احتياطيات غازية تقدر بنحو يتراوح بين 10 و18 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.

وحول قرارات «أوبك» المتوقعة خلال الاجتماع المزمع في شهر ديسمبر المقبل، أشار بهبهاني الى أن المنظمة عليها التفريق بين الأمنيات والواقع، لافتا الى أن المنظمة أساءت التقدير من خلال القرارات التي صدرت منها في العامين الماضيين من حيث الحصص للدول المشاركة في «أوبك» والدول من خارجها، ومتوقعا أن تتحكم في اجتماع المنظمة المقبل 3 فرضيات؛ الأولى هي انخفاض إنتاج دول مؤثرة مثل إيران وفنزويلا وليبيا ونيجيريا والبرازيل، حيث إن عملية خفض الإنتاج في تلك الدول غير دقيق وتؤثر على توازن السوق؛ والثانية التي ستواجه الاجتماع هي الحرب التجارية، التي ستكون مؤثرة للغاية، لكونها ستنعكس على أوروبا؛ أما الفرضية الثالثة فهي الانتخابات الأميركية، فضلا عن التناقض بين سياسة الرئيس الأميركي وشركات النفط و«الفدرالي» الأميركي؛ وعليه لابد من وضع تلك الفرضيات محل اهتمام المسؤولين في «أوبك» خلال الاجتماع.

58 دولاراً لـ «برنت»

ورأى بهبهاني أن أوضاع الاسواق النفطية المستقبلية خلال العامين المقبلين سيتحكم فيها الطابع الجيوسياسي وسيستمر الوضع الحالي حتى انتهاء الانتخابات الأميركية والخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي متوقعا ان ينهي العام الحالي الاسعار عند 58 دولارا لخام برنت والعام المقبل عند 56 دولارا، كما ستشهد الاسعار قفزة في عام 2021 بعد ان تتضح نتائج الخمول في الاستثمار النفطي.

تدخلات وضغوط

من جانبه، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط م. عبد الحميد العوضي: «لعل من اهم العوامل الاساسية المؤثرة في ارتفاع او انخفاض اسعار النفط عامل العرض والطلب، ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية لاحظنا ان هناك تدخلات وضغوطاً سياسية عالية للتأثير على عامل العرض والطلب تمارسه دول كبرى عظمى وتحديدا منذ تولي الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، سواء على دول منتجة داخل اوبك او منتجة من خارجها، ولا سيما على ايران الدولة العضو في منظمة اوبك بدءاً من إلغاء الاتفاق النووي وإعادة العقوبات الاقتصادية الأميركية عليها، ومنعها من تصدير نفطها، حيث كانت من قبل تنتج حوالي 3.8 ملايين برميل يوميا، بينما وصل إنتاجها حاليا إلى ما دون 2 مليون برميل يوميا.

وأضاف العوضي: «كذلك الحال مع فنزويلا وهي عضو في اوبك مارست أميركا ضغوطا كبيرة عليها من خلال فرض العقوبات القاسية حتى تراجع انتاجها من الى حوالي 715 الف برميل يوميا وكان مستوى انتاجها قبل ثلاث سنوات قرابة 2 مليون برميل، وكذلك الحال مع ليبيا العضو الثالث في المنظمة والتي تشهد نزاعات داخلية ادت الى تراجع انتاجها من النفط ؛ فضلا عن ان هناك دولاً من خارج اوبك، مثل المكسيك وكندا تعرضتا لضغوط أميركية لتغيير اتفاقيات اقتصادية لصالح أميركا «.

وأوضح أن هناك دولاً اخرى منتجة للنفط تشهد بلدانها اضطرابات داخلية مثل السودان والجزائر ونيجيريا، مشيرا الى انه على الرغم من كل هذا النقص في الامداد نجد أن العامل الرئيس وهو العرض والطلب لم يؤثر على رفع الاسعار كما هو متوقع، فضلاً عن استمرار أوبك في سياستها لخفض الانتاج واتفاقها مع دول من خارجها، وفي مقدمتها روسيا والمكسيك وكازاخستان منذ يناير 2017 وحتى الان. ولفت الى انه في مقابل ذلك ازدادت حصة أميركا من انتاج وتسويق النفط الصخري لتستحوذ بذلك على حصة من انتاج اوبك كون الخفض الاكبر هو من حصة المنظمة السوقية.

سياسة إنتاجية

وأضاف العوضي انه لا توجد حلول لهذا الوضع ما لم يتفق كل اعضاء اوبك على سياسة انتاجية موحدة للدفاع عن تلك الحصة ؛ معربا عن اندهاشه من ان اوبك واوبك بلس تراهنان على تحسن الاقتصاد العالمي، على أمل زيادة الطلب على شراء النفط وارتفاع اسعاره، مبيناً أن هذا الرهان غير واقعي وغير مقبول في ظل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين اللتين تعدان اكبر المستهلكين للنفط في العالم، الأمر الذي سيؤثر سلبا على معدلات النمو بين البلدين. وتوقع انخفاض معدل النمو الأميركي من 2.3 % الى 1.9 % وكذلك بالنسبة الى الصين انخفاض معدل النمو من 6.2 % الى 5.9 % لعام 2020.

وأشار إلى انه بالإضافة إلى ما سبق فهناك الخلافات الاقتصادية بين أميركا والاتحاد الأوروبي، وتشجيعها بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي حتى بدون اتفاق.

من جانب آخر، لفت العوضي الى ان اسعار النفط تراجعت عن معدلاتها خلال الاشهر الثلاثة الماضية من مستوى 70 دولاراً للبرميل الى 60 دولاراً في سبتمبر الجاري، رغم أن هذه الفترة هي فترة موسمية يزداد فيها الطلب على المشتقات البترولية مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات بسبب موسم السياحة والسفر ويفترض زيادة الطلب على النفط وبالتالي ارتفاع أسعاره، إلا أن أسعار النفط لم تشهد أي تحرك في المستوى الصعودي، وكذلك الحال بالنسبة للأسعار الآجلة بينما يتجه البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى خفض اسعار الفائدة على الدولار للمرة الثانية خلال هذا العام.

وأكد أنه بهذا يكون رهان المنظمة على انتظار حلحلة الأوضاع الاقتصادية خاسراً دون شك على المديين القصير والمتوسط، ومحاولة صناع سياسات الطاقة العالمية خلق توازن في أسواق النفط لن يكون إلا بالتضحية بجزء من الدخل العام لتلك الدول، فسياسة تحقيق التوازن مع مستوى أسعار منخفض للنفط لن تجدي نفعاً بل ستؤدي إلى خلق فجوات مالية كبيرة وعجز في الموازنات العامة لتلك الدول، في حين اتباع سياسة لخفض المخزونات العالمية خلال السنوات الثلاث الماضية أثبت عدم جدواه رغم وجود توتر كبير في منافذ الممرات النفطية مثل حالات حجز واعتداء واختطاف ناقلات نفط في مضيق هرمز وفي باب المندب وفي مضيق جبل طارق.

المنطقة المقسومة

وقال إن جميع هذه الحوادث لم تؤدّ إلى رفع الأسعار مثلما كان متوقعاً وظلت كما هي دونما تغيير، وحتى غياب إنتاج المنطقة المقسومة بحدود 550 الف برميل يوميا لم يكن له ذلك التأثير على ارتفاع أسعار النفط العالمية، في حين غياب هذا الإنتاج لم يحقق الاستفادة منه في حال أي ارتفاع نسبي متوقع للأسعار، فهذه الفرص تضيع كما تضيع معها الحصة السوقية، ونأمل استئناف الإنتاج لما له من أهمية قصوى للاقتصاد الوطني الكويتي ورغم تعاقب 5 وزراء نفط كويتيين وثلاث وزراء نفط سعوديين تفاوضوا على استئناف إنتاج النفط من المنطقة المقسومة المتوقف منذ أكتوبر 2014 حتى الان فهل ننتظر عودة الإنتاج قريباً؟!

تذبذب أسبوعي

من جهته، أكد عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التكنولوجية د. أحمد الكوح، أن حجم خفض إنتاج النفط من «أوبك» وحلفائها من دول خارج المنظمة أو ما يعرف بـ»أوبك بلس» يعتبر قراراً صائباً حتى الآن، موضحاً أن «أوبك» لا تنظر إلى الفترات القصيرة بل تتعداها إلى المدى الطويل وتنظر إلى أسعار النفط على مدى عام كامل.

وقال الكوح إنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بتذبذب الأسعار الأسبوعي؛ مدللًا على ذلك بأنه على الرغم من التفجيرات الإرهابية التي حدثت أخيرا فإن الأسعار لم تشهد أي ارتفاعات، مشدداً على ضرورة عودة ثقة السوق في منظمة «أوبك».

وعن أهمية الصناعات التحويلية وسط تذبذب أسعار الخام، أفاد بأنها باتت منطقية لدول الخليج، وهناك شراكات تعتبر مثالاً جيداً على ذلك مثل الشراكة بين شركة «إيكويت» و»داو»، إحدى أنجح الشراكات في المنطقة، وهناك دول بدأت تحذو حذوها كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى في المنطقة.

وأوضح أن الانتقال إلى صناعات غير نفطية مباشرة أمر صعب لأنه يحتاج إلى أرض وعمالة وسوق للتصدير؛ وعليه فإن الصناعات التحويلية المعتمدة على النفط هى أسهل الطرق المتاحة لدول الخليج بل تعد قيمة مضافة إلى الدول الخليجية المنتجة للنفط.

وذكر أن تصدير الخام المباشر لا قيمة له لأنه يشبه سحب الأموال من البنوك، مشيراً إلى أن ذلك هو المجال الحقيقي والمجدي للابتعاد عن الاعتماد على النفط مصدراً رئيسياً للدخل القومي لبلدان المنطقة.

توازن الأسواق

وحول توجيه جهود دول «أوبك» للعمل على تحقيق توازن الأسواق قال الكوح: للأسف، الدول التي تعتمد على الشركات الوطنية هي القادرة على اتخاذ قرار خفض الإنتاج من أجل استعادة التوازن والتحكم المباشر في الإنتاج، لكن دولاً مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا لا تستطيع فعل ذلك لأن تمتلئ بالشركات الخاصة التي تعمل في قطاع النفط، مبيناً أنه إذا كان في الأسواق النفطية دول منتجة بنسب تتراوح مابين 40 و50 في المئة من الإنتاج فهي تستطيع اتخاذ قرارات مؤثرة في إطار تحقيق المعادلة المنشودة أي توازن الأسواق .

وقال إن التوترات السياسية الحالية في المنطقة تؤثر بشكل أو آخر في الإمدادات، والعالم يعي ذلك جيداً، وهناك حماية دائمة للمضايق التي تستخدم في نقل النفط المصدر سواء كانت حماية ذاتية من دول الخليج أو الاستعانة بدول صديقة لحماية الشحنات المصدرة .

وأضاف أن هناك ضعفاً في الطلب حالياً، متوقعاً أن تشهد أسعار النفط تدني الأسعار إلى ما دون 51 دولاراً فقط فأي هبوط في الأسعار إلى مادون 50 دولاراً للبرميل قد يؤثر بوضوح على إنتاج النفط الصخري فضلاً عن أن «أوبك» لن توافق على هذا الهبوط وستعمل على المزيد من خفض الإنتاج من أجل عودة التوازن إلى الأسواق بالأسعار العادلة.