قال محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل، إن الصناعة المصرفية حققت نمواً استثنائياً، خلال نصف قرن مضى، وأدت دوراً محورياً في دعم الاقتصادات حول العالم، رغم ما مرت به من أزمات وما نجم عن ذلك من خسائر، وفي الظروف الاعتيادية يغري مثل هذا النجاح بمتابعة السير على ذات السبيل التي أفضت إلى هذا القدر من النجاح، لربما مع بعض الابتكار في المنتجات وبعض التطوير في الكفاءة التشغيلية.

وأضاف الهاشل، خلال افتتاح المؤتمر المصرفي العالمي "صياغة المستقبل" أمس، الذي ينظمه بنك الكويت المركزي برعاية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، أن نظامنا المالي هو الأرسخ والأقوم في المنطقة، ولكن "الظروف المحيطة بنا ليست اعتيادية على الإطلاق، فالصناعة المالية اليوم تقف على مفترق طرق، تحالفت عنده جملة من التحديات الداخلية والخارجية لتشكل عاصفة عتيّة، لن يعصمنا منها التشبث بنهج العقود الماضية، بل يجب على الصناعة أن تنصهر في قالب جديد ينسجم والمستقبل".

Ad

ضبابية الاقتصاد العالمي

وتناول الهاشل التحديات وأولها أوضاع الاقتصاد العالمي، قائلاً إن النظرة إلى واقع الاقتصاد العالمي تكشف لنا حجم التحديات، إذ خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2019 مرتين، ليبلغ 3.2 في المئة وسط توقع نمو للاقتصادات المتقدمة بالكاد يبلغ 1.9 في المئة، ومن أبرز معوقات النمو، ضبابية آفاق الاقتصاد العالمي بسبب النزاعات التجارية والسياسات الحمائية.

وأضاف "إن استمرت هذه التوترات فقد يعيد صندوق النقد الدولي خفض توقعات النمو تارة أخرى، في حين تشير تقديرات بنك إنكلترا إلى أن زيادة 10 في المئة على التعرفة الجمركية بين الولايات المتحدة الأميركية وشركائها التجاريين ستخفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 2.5 في المئة، وسوف تخفض الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 1 في المئة بعد استبعاد الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية.

غموض السياسات

وأكد أنه في حين يشير المعهد الدولي للتمويل إلى غموض السياسات الاقتصادية كأحد مكامن المخاطر، فإن المعهد يقدر أن غموض السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة والصين قد بلغ مستوى غير مسبوق وأن آثار ذلك من انخفاض الاستثمار وتراجع الاستهلاك باتت بادية للعيان، إذ تشير أبرز مؤشرات الأسواق العالمية إلى انخفاض معدله 7 في المئة في منتصف أغسطس مقارنة بالشهر السابق.

وأشار الهاشل إلى العناصر المؤثرة في مستقبل أوضاع الاقتصاد العالمي ودور السياسات النقدية، إذ كان النمو الاقتصادي طيلة العقد الماضي مدفوعاً بجملة من السياسات النقدية غير التقليدية، قادت جهود انتشال الأسواق من الأزمة المالية العالمية بتوفير السيولة وبيئة اقتراض منخفض الكلفة، لكن ثمن ذلك لم يكن زهيداً على الإطلاق، إذ سمحت معدلات الفوائد المنخفضة للدين العالمي بأن يحلّق فوق مستوى 246 تريليون دولار، أي ما يقارب 320 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي.

الديون

وذكر أنه فيما كانت ديون القطاع العائلي تزداد تدريجياً بمعدل 3 في المئة سنوياً، كانت الديون الحكومية وديون المؤسسات المالية والشركات تقفز إلى ارتفاعات جديدة، إذ تضاعف الدين الحكومي منذ عام 2008 من 32 تريليون إلى 67 تريليوناً، إذ أفرطت حكومات الدول - المتقدمة على وجه التحديد - في الاقتراض خلال السنوات القليلة الماضية، ففي دول منظمة التعاون الاقتصادي، تتجاوز الديون الحكومية في اليابان واليونان وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة الناتج المحلي الإجمالي لكل منها.

وأضاف الهاشل أن الدين العالمي نما خلال العقدين الماضيين بنسبة 6 في المئة، وإن استمر نموه بذات الوتيرة، مع معدل النمو المتوقع للناتج الإجمالي العالمي البالغ 3.5 في المئة، فسوف يبلغ الدين العالمي بعد عقدين من اليوم 780 تريليون دولار أو 500 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، ولا مراء في أن هذا المعدل غير قابل للاستدامة ويلحّ على الحكومات والمؤسسات المالية لاتخاذ إجراءات جادة في هذا الشأن.

التقنيات المالية الحديثة

وأوضح الهاشل أن التحدي الثاني الذي يتعين علينا مواجهته هو أثر التقدم التقني الهائل على الصناعة المصرفية، فالتقنيات المالية الحديثة تتطور بسرعة هائلة، ويتلقفها الجميع بذات السرعة، بيد أنها في تطورها تغير وجه الاقتصاد وتعيد صياغة عديد من الصناعات التقليدية، إذ تغير نظم الدفع الإلكتروني، وتطبيقات الهواتف الذكية، وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي وتقنيات سلسلة البيانات طرق عمل البنوك وتفاعلها مع عملائها.

وبين أنه حتى شركات التقنيات المالية بدأت بالفعل تحل محل عديد من مؤسسات الوساطة المالية، وبحسب شركة ماكينزي فإن خمسة من مجالات العمل المصرفي الرئيسية هي الأكثر عرضة لهذا التحول وهي: تمويل الأفراد الاستهلاكي، والرهن العقاري، وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمدفوعات، وإدارة الثروات، مما يهدد 40 في المئة من عوائد البنوك بحلول عام 2025.

ومن أسباب ذلك، أن شركات التقنيات المالية الحديثة تقدم خدمات أعلى كفاءةً وأوفر كلفةً، فعلى سبيل المثال تقل فوائد القروض التي تمنحها بعض تلك الشركات بمقدار 400 نقطة أساس عن نظيراتها التقليدية، في حين تقدم لنا أنظمة السداد مثالاً آخر على كفاءة التقنيات المالية، إذ تختصر وقت كثير من العمليات من 5 أيام إلى أقل من 5 ثوانٍ، وتخفض الكلفة إلى دون العُشر.

وشدد الهاشل على أن البنوك تحاول الحفاظ على موقعها المتقدم في المنافسة بالتعاون مع شركات التقنيات المالية الحديثة حيناً والاستحواذ عليها حيناً آخر، فبناء على تقرير حديث من PWC، عقد أكثر من 54 في المئة من البنوك المستطلعة شراكات مع شركات التقنيات المالية وتتوقع 82 في المئة منها أن تزيد شراكاتها في السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة.

عمالقة التقنية

واستطرد أنه مع ذلك، فإن ما يقلق البنوك ليس شركات التقنيات المالية الحديثة بل منافسة عمالقة التقنية مثل: فيسبوك وأبل وأمازون وفودافون وعلي بابا، إذ شرعت هذه الشركات في منافسة البنوك على تقديم الخدمات المالية، مستفيدة مما لها من قاعدة عملاء كبيرة وتكاليف متدنية للاستحواذ عبر الإنترنت، وفهم أفضل لعملائها بفضل تحليل كم هائل من بياناتهم. وهي فوق ذلك لا تتكبد التكاليف التي تثقل البنوك، ولا تخضع للرقابة.

ورأى أن ذلك يعد تحدياً لا يمكن للبنوك غض الطرف عنه، وما لم تحسن الاستفادة من التقنيات فسوف يتخطاها الزمن، ولا نعني هنا الاقتصار السطحي على أتمتة العمليات القائمة، بل ذهنية مختلفة كليًا، تعود إلى الأسس وتعيد النظر في جوهر وجودها بدلاً من التحجر في قوالب النظم القائمة وأطر الإرث المصرفي الحالي.

التغيرات المتسارعة لدى العملاء واحتياجاتهم

وبين الهاشل أن التحدي الثالث هو التحول الكبير في توقعات العملاء واحتياجاتهم، فعملاء المصارف اليوم على ثقافة رقمية عالية ويتوقعون الحصول على الخدمات المالية أنّى أرادوا، ولعل من أسباب ذلك العدد المتنامي لأبناء جيل الألفية، إذ يُقدّر أن يكون هؤلاء عما قريب أكبر شريحة من عملاء البنوك، فعلى سبيل المثال تبلغ في الكويت نسبة أبناء جيل الألفية ومن هم أصغر سناً 58 في المئة من إجمالي السكان، ولا شك أن لهم سلوكهم الخاص وسماتهم المغايرة لسمات الأجيال السابقة، إذ يبدي 57 في المئة من أبناء جيل الألفية استعدادهم للتحول من البنوك إلى منصات مالية رقمية، بيد أنها ليست سمة قاصرة على هذا الجيل، ففي عام 2018 كان 72 في المئة من التواصل ما بين البنوك والعملاء عبر القنوات الرقمية، ووجد أن 82 في المئة من العملاء يلجؤون أولاً إلى الإنترنت عند رغبتهم في الحصول على خدمة أو منتج جديد، لذلك على البنوك أن تولي وجهها شطر العالم الرقمي، وعليها أن تعتبر من الدروس التي تلقتها صناعات أخرى مرت بهذه التحولات، مثل صناعة الهواتف المتنقلة.

الهواتف النقالة

وقال إنه في عام 1997 كانت أساطين صناعة الهواتف المتنقلة: نوكيا وموتورولا وسوني إريكسون تستحوذ على 60 في المئة من السوق، أما اليوم فقد تحولت تلك النسبة إلى شركات سامسونغ وأبل وهواوي القادمة من خارج هذا المجال.

وضرب أمثلة على تجارب شركات "آنت فاينانشال" و"ويتشات" و"إم-بيسا"، وهي أسماء ولدت من رحم شركات الاتصالات والتقنية ثم نمت سريعاً حتى صارت أكبر مقدمي الخدمات المالية في أسواقها، بفضل تبنيها مقاربة تضع الإنسان في مركز اهتمامها، وتوظيفها البارع للتقنية.

وتابع أن تلك الشركات في مسيرة نموها حققت لمجتمعاتها منافع عديدة وساهمت في بسط مظلة الشمول المالي على أولئك الذين لا تتاح لهم الخدمات المصرفية التقليدية، فعلى سبيل المثال، ارتفعت في السنوات السبع الماضية نسبة الشمول المالي في الصين من 64 في المئة إلى 80 في المئة وفي كينيا من 42 في المئة إلى 82 في المئة.

صياغة المستقبل

وأفاد الهاشل بأن التحديات التي تتربص بالصناعة المالية لا تترك مجالاً للشك في حاجتها إلى أن تعيد صياغة ذاتها، لكن كيف لصناعة نُحتت ملامحها على مدى قرون، أن تبدأ مثل هذه الرحلة؟ مستطرداً: لا أزعم أن لدي الجواب القاطع، لكنني أعتقد أن على البنوك أن تخوض خمس معارك هي:

معركة كسب الولاء

في المعركة الأولى "كسب الولاء"، وفق الهاشل، يتعين على البنوك الاختيار بين دور تكون فيه وثيقة القرب من عملائها تلبي متطلباتهم وتنصت لاحتياجاتهم، وبين دور تكتفي فيه بإدارة حساباتهم، وفي هذه الحالة فلتنتظر استبدالها وتخلي العملاء عنها. وواقع الحال اليوم يقول إن الصناعة المصرفية تتقهقر في هذه المعركة، فبين العلامات التجارية العشرين الأكبر قيمة في العالم لا يوجد اليوم أي بنك، وحتى البنوك التي كانت قبل عقد من الزمن بين العلامات العشرين الأعلى قيمة أزيحت اليوم عن مواضعها، لذلك على البنوك أن تجهد لضمان حضورها في أذهان عملائها، وأن توليهم مزيدا من الاهتمام، وعليها أن تفكر في حلول لمشاكلهم وتقدم مقترحات لتحسين حياتهم وأن تدرك أن دورها الاجتماعي الأهم هو استدامة الرخاء للجميع.

وقدم الهاشل أحد أفضل الأمثلة على دخول مؤسسات غير مصرفية إلى هذا الميدان وهو بنك "كاكاو" في كوريا الجنوبية، فقد أطلقت شركة الإنترنت الكورية "كاكاو" هذا البنك الرقمي عام 2017، ليحقق نجاحاً مذهلا، مستفيداً من ارتباط العملاء بالعلامة التجارية للمؤسسة الأم وولائهم لها، واستطاع في غضون 24 ساعة من إطلاقه اجتذاب 300 ألف عميل، وفي الأيام الخمسة التالية بلغ عددهم مليوناً، ولم ينقض عام حتى بلغ عدد عملائه ستة ملايين عميل، أي إن هذا البنك الوليد قد اجتذب في عامه الأول ثلث عدد عملاء بنك شينهان أكبر بنوك كوريا الجنوبية وهذا بالرغم من ارتفاع نسبة الشمول المالي في كوريا الجنوبية البالغة 95% ، فهل سيطول الوقت قبل أن يصبح بنك "كاكاو" أكبر بنوك كوريا؟

معركة خلق القيمة

أكد الهاشل أنه لضمان نجاح البنوك في كسب ولاء العملاء لا بد للمصارف من خلق قيمة لعملائها على المدى الطويل، وهذه هي المعركة الثانية التي تخوضها الصناعة، إذ عليها أن تطور خدماتها ومنتجاتها ووسائل تقديم هذه الخدمات، لتضمن تلبية احتياجات عملائها وتطلعاتهم ويتطلب الظفر في هذه المعركة من البنوك مزيداً من المبادرة، فلا يكفي على سبيل المثال أن تكون عملية الحصول على التمويل أو الرهون العقارية إلكترونية، بل عليها أن تكون نواة نظام يتيح للعملاء الحصول على ما يحتاجون من خدمات أنّى أرادوا. وقال إنه في ذات الدراسة التي أجرتها "أكسنتشر"، أبدى 48 في المئة من العملاء رغبتهم في الحصول على النصح والمعلومات من بنوكهم بشأن المنتجات والخدمات التي تتطلبها حياتهم اليومية، وأن تؤدي بنوكهم دوراً داعماً في عمليات مثل شراء المنازل أو السيارات الجديدة والخدمات المتصلة بذلك مثل التأمين.

معركة رفع الكفاءة

نبه الهاشل إلى أن النجاح في كسب ولاء العملاء وخلق القيمة، لا يتأتى إلا بتحقيق مستويات رفيعة من الكفاءة، ويعني ذلك تحقيق كبرى الإنجازات بيسير الموارد، وهذه هي المعركة الثالثة التي يجب النجاح فيها، ومن سبل رفع الكفاءة لدى البنوك أن تستفيد من البيانات المتاحة لها لتطوير قدرتها على التحليل التنبؤي، لا لتطوير كفاءة العمل والتخطيط فحسب، بل أيضاً للتعمق في معرفة رغبات عملائها وميولهم ومن ثم تلبيتها.

واستغرب الهاشل من أن البنوك - رغم أنها تطفو على بحر من البيانات- تبدو زاهدة في الاستفادة منها كما ينبغي! فلمَ مثلاً لا تُغيّر البنوك طريقة تصنيف العملاء، بمراعاة أنماط سلوكهم وفرصهم للتقدم في المسار الوظيفي بدلاً من الاقتصار على النظر إلى دخلهم فقط؟ إذ يمكن لتحليل البيانات أيضاً أن يزود البنوك بنظرة ثاقبة إلى عدد من العوامل الداخلية والخارجية المؤثّرة، لتطوير عملية اتخاذ القرار الاستراتيجي والتشغيلي على السواء.

معركة تعزيز المتانة

بيّن الهاشل أن المعركة الرابعة هي تعزيز المتانة، وهي أساسية للنجاح في المعارك السابقة، ومرة أخرى تقدم التقنيات الحديثة في تحليل البيانات عوناً كبيراً في هذا المجال، إذ تستطيع البنوك - بتوظيف التقنية- تحسين قدرتها على رصد المخاطر ومن ثم إدارتها، وذلك بتحليل الاقتصاد والأسواق وبيانات العملاء لحظياً، ولن يتعين عليها في هذه الحال انتظار تقارير المحللين من شهر إلى شهر ومن فصل إلى آخر لتدرك مدى انكشافها على العملاء أو الأصول أو الأنشطة خارج الميزانية وباستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتحليل التنبؤي يمكن للبنوك أن تعدل توقعات مخاطر الانكشافات لحظياً، من حالات الاحتيال الفردية إلى انكشافات الميزانية عبر المنتجات ومجالات النشاط، ومع ما يصدر من أخبار وتحركات الأسواق يمكن لبرامج تحليل البيانات أن تخطر صناع القرار بالآثار المتوقعة لهذه التطورات على أعمالهم، وهكذا توفر التقنيات الحديثة سرعة في جمع البيانات وعمقا في تحليلها ودقة في التنبؤ، وبالتالي قدرة أفضل على رصد المخاطر وإدارتها، مما يؤدي إلى تعزيز المتانة والمرونة والحصانة.

معركة استقطاب المواهب

أوضح الهاشل أن كل معركة تستوجب حشد خيرة الجنود والقادة، لذا فإن المعركة الخامسة التي تخوضها الصناعة هي معركة استقطاب المواهب، فالإنسان محور كل عمل، ورأس المال البشري هو ما يجمع كل أجزاء الصورة فيمنحها قيمتها ومعناها وبينما تمضي الصناعة المصرفية في تحولاتها الجوهرية تحتاج البنوك إلى توسيع دائرة الكفاءات التي توظفها لتشمل مواهب جديدة، تتمتع بالمهارات اللازمة للمستقبل وتتناغم مع تحولات الصناعة وتتحلى بفهم أفضل لتغيرات ميول العملاء ورغباتهم.

وذكر أنه في المستقبل القريب، لن تقتصر البنوك على تعيين المؤهلين في الاختصاصات المالية، بل سوف تحتاج أيضاً إلى متخصصين في علم تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، وتنمية خبرة العملاء، حتى أنها قد تحتاج إلى متخصصين بعلم النفس والفلسفة ومزيج من المجالات الأخرى التي يمكنها أن تمنح المؤسسة أفقاً أرحب وبصيرة أعمق.

وتابع أن هذه الكوكبة من المواهب ولأنها لا تشبه ما اعتادت البنوك توظيفه من قبل، "فإن توقعاتهم بشأن أدوارهم ومساهماتهم وبيئة عملهم ستكون مختلفة ومتنوعة، وسوف تكون البنوك في منافسة مباشرة مع شركات التقنية والمشاريع الناشئة على استقطاب هذه الكفاءات".

الموارد البشرية

وأشار إلى أن البنوك سوف تحتاج إلى تطوير شامل في أساليب استقطاب الموارد البشرية وإدارتها والاستفادة منها والحفاظ عليها، وكذلك الاستثمار في موظفيها للاستفادة المثلى من خبراتهم وإبداعاتهم، من أجل ذلك كله عليها أن تغير ثقافتها المؤسسية، لتنشئ بيئة تشجع على الإبداع ومزيد من التعاون والإمساك بزمام المبادرة وتحمل عبء المسؤولية واتخاذ المخاطر المحسوبة لابتكار الحلول وتطويرها.

دور المؤسسات التعليمية

أكد الهاشل أنه يقع على عاتق المؤسسات التعليمية دور حيوي في إعداد خريجيها لوظائف الصناعة المصرفية المستقبلية، إعداداً لا يقتصر على الدراسات التقليدية في مجالات التمويل والاقتصاد وإدارة الأعمال، بل يشمل أيضاً معارف ومهارات جديدة مثل الابتكار المالي والتقني، ذلك أن وظائف المستقبل ستختلف كليا عن مثيلاتها اليوم، فبحسب تقرير حديث أعده المنتدى الاقتصادي العالمي حول مستقبل الوظائف، فإن 75 مليون وظيفة ستموت بحلول عام 2022، في حين تولد 133 مليون وظيفة جديدة.

والسؤال الآن، هل نُعِدّ خرّيجينا للوظائف التي تــُحـتَضر أم لتلك التي تولد؟ وهذا سؤال متصل بالصناعة المصرفية صِلتَه بالمؤسسات التعليمية، فالتقرير السابق يشير أيضاً إلى أن 56 في المئة من موظفي البنوك سيكونون بحاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب، وسيتعين تحويل الموارد والكفاءات نحو المهام التحليلية مع تقليل الاعتماد على العمل غير التقني.

دور الجهات الرقابية

وشدد الهاشل على أن الشق الثاني من الدعم الذي تحتاجه البنوك في مسارها التحولي يقع على كاهل الجهات الرقابية، التي عليها أن تحقق توازناً دقيقاً في إحدى كفتيه حماية العملاء وترسيخ معايير الرقابة الحصيفة والممارسات الإشرافية الرصينة وحماية الاستقرار النقدي والمالي، وفي الأخرى تحفيز نمو الصناعة وتشجيعها على الابتكار.

وذكر أنه في حين تمضي الصناعة في مسارها التحولي، يتعين على الجهات الرقابية التركيز على ثلاثة مجالات أساسية:

1- دعم الابتكار، و2- تعزيز التعاون، و3- بناء القدرات، وهي مبادئ نؤمن في بنك الكويت المركزي إيماناً عميقاً بأهميتها، ومنها تنطلق مبادراتنا لأداء دورنا الممكن للصناعة والمحفز لتقدمها.

فعلى مستوى الابتكار أطلق بنك الكويت المركزي في العام الماضي البيئة الرقابية التجريبية، وهي واحدة من 48 بيئة رقابية تجريبية حول العالم توفر حيزاً آمناً لاختبار الخدمات والمنتجات المالية المبتكرة، بما يحافظ على سلامة النظام المالي دون إعاقة الابتكار.

وقال إن بنك الكويت المركزي يعد البنية التحتية للاقتصاد الرقمي، إذ نطور مشروع بنية تحتية على أحدث المستويات، أسميناها "نظام الكويت الوطني للمدفوعات" وهو مشروع يتألف من ثمانية نظم متطورة توفر خدمات الدفع الآني في بيئة آمنة في بيئة آمنة وداعمة للتقنيات المالية.

الصناعة المصرفية تحتاج لدعم المؤسسات التعليمية والرقابية

قال محافظ البنك المركزي د. محمد الهاشل: لقد رأينا أهمية العناية بالعملاء وتبني التقنيات والاستفادة من تحليل البيانات لمستقبل الصناعة المصرفية، لكن من الأهمية بمكان إدراك أن هذا مسار لا يمكن للبنوك منفردة اجتيازه، وعليها لتتخطاه أن تحظى بدعم عدد من الأطراف المعنية، وبدون ذلك يبقى التغيير سطحيًا بينما يظل جوهرها أسير الماضي، وعلى وجه التحديد، تحتاج الصناعة المصرفية إلى دعم المؤسسات التعليمية والرقابية.