رغم مرور 5 أعوام على إمساك ما يُعرف بالتيار السياسي المعتدل، مقاليد الحكم في العراق، طياً لصفحة قمع واتهامات طالت المناطق السنيّة، فإن الحوار مع ممثلي تلك المدن بحكم المجمد، بذريعة الانشغال بالحرب مع تنظيم داعش والأزمات الاقتصادية العميقة، ثم تداعيات المواجهة بين إيران والغرب، وبروز مشكلة الميليشيات كتهديد لبغداد.لكنّ القادة السنّة يعيدون إثارة قضاياهم في الآونة الأخيرة بقوة، رغم تحالف كثير منهم بنحو مؤثر مع كتل نيابية مقربة على طهران، ضد تيار النجف وحلفائه في القوى اليسارية والليبرالية.
ويقول هؤلاء إن قضاياهم حين تعرضت للإهمال من قبل معتدلي الشيعة، وجدوا أنفسهم بعد انتخابات 2018، محط اهتمام من الإيرانيين، الى جانب وعود بتلبية مطالبهم واستيعابهم أمنيا داخل الحشد الشعبي على شكل فصائل عشائرية من الأنبار غربا حتى الموصل شمالا.لكنّ الجبهة المقربة على إيران باتت تهمل مطالب السنّة هي الأخرى، ففضلا عن تلكؤ عمليات الإعمار في المدن التي تعاني ويلات الحرب، خصوصا الموصل ونقص التمويل الحكومي، لم تحظ بالاهتمام الكافي ملفات من قبيل عشرات الجثث المجهولة التي يُعثر عليها تباعا، ويقال إنها أدلة على مجازر تعرّض لها السنّة على يد ميليشيات منفلتة، فضلا عن تعليق قضايا عشرات الآلاف من المحتجزين السنّة بلا محاكمة في سجون تقع جنوب البلاد ذي الغالبية الشيعية.كما نجح ضغط الميليشيات في إقالة عدد من الجنرالات السنّة البارزين مثل قائد عمليات الأنبار السابق بتهمة التعاون مع واشنطن ضد الفصائل الموالية لطهران على الحدود السورية، بل وصل الأمر الى اتهامات لرئيس الحكومة عادل عبدالمهدي بتهميش صلاحيات وزير الدفاع السنّي نجاح الشمري لمصلحة قيادات الأركان الشيعة.كذلك فإن السنّة لم ينجحوا منذ نحو سنة في استحصال ثقة البرلمان على 5 مرشحين ومرشحات لمنصب وزير التربية المفترض أنه من حصتهم في الحكومة، وهذه سجالات تشكّل في مجملها عودة للمطالب السنيّة بعد بضعة أعوام من هدوء الاستقطاب بين أكبر طائفتين في العراق.وإذ يعزى ذلك الى اقتراب التحضيرات للاقتراع المحلي في المحافظات، المقرر الربيع المقبل، وحاجة الأحزاب الى جمهورها الممتعض من الإهمال السياسي والاقتصادي، فإن المراقبين يشيرون الى أن أنصار إيران نجحوا في بناء نفوذ كبير داخل المناطق السنيّة بدأ يقيد أكثر من أي وقت مضى، مصالح الأحزاب المحلية في تلك المناطق، وأبرزه كان يوصف بأنه تغوّل للحشد الشعبي في نينوى وتحكّمه بوضعها الإداري والاقتصادي، وهي أكبر الحواضر ذات الغالبية السنية في البلاد.لكن الانقسام السنّي لايزال واضحا مع غياب الوساطات الدولية والاقليمية والمحلية لمساعدتهم في التعامل مع مرحلة ما بعد الحرب، فحتى إعلان السياسي الموصلي البارز، أسامة النجيفي، جبهة سياسية جديدة الأسبوع الماضي، لم يفلح في استقطاب ما يكفي من القوى لتعزيز عمل الجبهة الجديدة، حتى لو استعاد آل النجيفي شعاراتهم القوية المعارضة التي استلهما اسم تكتلهم الجديد «جبهة الإنقاذ والتنمية».ويشير مراقبون رغم ذلك، الى أن هذا التململ الواضح يمكنه أن يعيد بناء البيت السنّي قبيل انتخابات أبريل لمجالس المحافظات، بما ينعكس على التحالفات داخل برلمان بغداد لمصلحة تيار الاعتدال النجفي، الذي قد يجد أمامه فرصة لاستئناف الحوار مع القوى السنيّة، خصوصا أن عائلة النجيفي الموصلية لاتزال ضمن تيار الإصلاح الى جانب رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي وشخصيات من طراز عمار الحكيم وإياد علاوي ومقتدى الصدر، الذين يحظون بقبول في المجتمع السنّي بسبب معارضتهم لنفوذ الميليشيات.وقد يتعزز ذلك بمبادرات متسارعة للعبادي والحكيم اللذين أطلقا معارضة واضحة للحكومة استعدادا لانتخابات مجالس المحافظات، وباتا يشجعان أطرافا أخرى على بدء ماراثون المنافسة الانتخابية، ولا سيما بعد ما بات واضحا أن انتخابات المدن السنيّة تؤثر بنحو فاعل في الموقف على مستوى البلاد.
دوليات
سُنّة العراق يستأنفون «الإنقاذ والتنمية» بعد أعوام الصمت
24-09-2019