إسماعيل فهد إسماعيل... ذكرى حاضرة
مأزق الإنسان بعلاقته في الزمن هو أن الزمن يسير بعجلة ثابتة خارجة عن سيطرة الإنسان، وأن الزمن في سيره الحثيث لا يتأخر ولا يتوقف، ولا يبالي بما يحدث على ضفتيه فرحاً كان أو مأساةً. وأن لحظة الزمن تنتهي لحظة ميلادها لتصبح ماضياً وذكرى. وربما هذا وحده ما يمنح الفن: الكتابة السردية والرسم والمسرح والسينما، خصوصيته وعظمته.فالفن في واحدة من أهم خصائصه هو عبارة عن إعادة ترتيب لسير لحظات الزمن. ووحده الفن يمتلك القدرة على أن يقدم من لحظات الزمن ما يشاء، وأن يؤخر منها ما يحلو له. وبهذا فإن الفن في تجلّياته الأهم، هو كسر وإيقاف لتدفق نهر الزمن، وهو إعادة تركيب للحظات وتواريخ يرى صاحبها، الكاتب والفنان، تقديمها بشكل يخدم هدفه الإبداعي.مع حلول 25 سبتمبر الجاري تكون قد مرّت سنة على وفاة القاص والروائي والناقد إسماعيل فهد إسماعيل. سنة كانت حافلة بالوقوف عند إنسانية إسماعيل من جهة، ونتاجه الأدبي الوفير من جهة ثانية. فهو الذي خلّف ما يزيد على الأربعين عملاً، وكانت في جلّها للرواية. ففي إحدى أحاديثنا همس لي: "حين تكتب رواية فأنت تكتب حياة. وحين تكتب حياة فأنت تقول حياتك بشكل أو بآخر".
بتاريخ 25 سبتمبر (اليوم)، تحلّ الذكرى الأولى لوفاة أحد أهم الأسماء المبدعة التي عرفتها الكويت ومعها أقطار الوطن العربي في السنوات الخمسين الماضية. فمنذ روايته الأولى "كانت السماء زرقاء" الصادرة عام 1970، وحتى وفاته، شكّل إسماعيل حالة ثقافية كويتية عربية، أكثر منه كروائي أو قاصّ أو ناقد. حال ثقافية كانت تقدم وجهاً مشرقاً من وجوه الإنسان العربي المبدع في وطنه الكويت. الإنسان الذي يرى الكتابة ترجمة لفكر ومواقف وأحلام. لذا ظل بيت إسماعيل، طوال عمره، سواء كان في "شرق" أو "بيان" أو "حولّي"، مكاناً لإقامة ولقاء ونقاشات الأصدقاء: روائيين وقصاصين وشعراء ومسرحيين وفنانين تشكيليين ومطربين، من شتى أقطار الوطن العربي، ووحده الفكر والحس الإنساني كان مشتركاً بين إسماعيل وأصدقائه في كل مكان.في صدمة خبر وفاته المفاجئ صباح الثلاثاء 25 سبتمبر من العام الماضي، وفي زحمة وزخم وتأثر لقاء العزاء، تقافزت أفكار كثيرة من صحب وأصدقاء درب إسماعيل، الذي ظل يملأ المكان بحضوره، بالرغم من غيابه. وقتها طرح البعض ضرورة أن يُطلق اسم إسماعيل على إحدى مدارس وزارة التربية، وأن يلتفت الإخوة في جامعة الكويت، وفي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وفي رابطة الأدباء، وفي جمعيات نفع عام أخرى، لإمكان إطلاق اسم إسماعيل على أحد مرافقهم، وحتى كتابتي لهذه الأسطر لم يصل لمعرفتي تسمية أي بقعة باسم إسماعيل. كما أن مجموعة زملاء أفاضل من أصحاب دور النشر الكويتية التي ساهم إسماعيل في الكتابة لها، تحدثوا في إمكان إعادة طباعة كتب إسماعيل بشكل جديد وحديث، خاصة أن مجموعة كبيرة من إنتاجه القصصي والروائي الأول، ما عاد حاضراً لمجتمع القراءة اليوم. ومع الأسف أيضاً ما بلغني حتى اللحظة أن خطة مدروسة ومؤرخة ستكون قيد التنفيذ لإصدار أعمال إسماعيل القصصية والروائية النقدية.أفهم تماماً أن الكلام ليس كالفعل، وأفهم أن حسبة الواقع ليست هي نفسها حسبة الأماني، وأخيرا أدرك خسارة غياب إسماعيل فهد إسماعيل، الإنسان والكاتب، التي لا يمكن تعويضها بشيء. لكنني أعرف أيضاً الأثر الكبير الذي خلّفه إسماعيل في نفوس وشخوص أصدقائه. وأنهم ربما انشغلوا بأمور الدنيا الصغيرة قبل الكبيرة، لكنني أطمح أن أرى شيئاً مما وعدوا به، وها أنا أُلزم نفسي بشكل علني، بمدِّ يد المشاركة والمساعدة بكل ما يمكنني لأن يرى مشروع إبداعي كويتي عربي النور باسم إسماعيل فهد إسماعيل.صحيح أن "جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية" أطلقت اسم الفقيد على دورتها السابقة، وعلى موسم "الملتقى الثقافي"، وصحيح أيضا أن دار "العين" المصرية، وبمبادرة من صاحبتها فاطمة البودي، أنشأت جائزة للكاتب الشاب باسم إسماعيل فهد إسماعيل، حيث تقوم الدار بطباعة النتاج الشبابي، كما أن دار "بلاتينيوم" الكويتية أصدرت طبعة جديدة من رواية "كانت السماء زرقاء"، مؤكد أن الشكر للزملاء الأفاضل في الدارين، لكنني أطمح بمشروع ثقافي كويتي عربي متكامل، وربما هذا وحده ما سيخلّد ويُبقي ذِكر إسماعيل الكاتب والإنسان. لروحك الرحمة والسلام أيها الحاضر الغائب.