تغيير في مسار الدولة
المتابع لمسار الكويت على مدى الأربعين سنة الماضية، أي منذ 1979 وحتى اليوم، يدرك حتماً أن إطاراً رتيباً هيمن على مسار الدولة، ومن ثم تحكَّم في مفاصلها، وأبعدها عن نهجها، وشجَّع سلوكاً سياسياً ومالياً وإدارياً خاطئاً، وراكم العديد من السياسات والممارسات الخاطئة، وأوجد واقعاً تراجعياً مخيفاً في بناء الدولة ومؤسسيتها وقدرتها على التقدُّم وتحقيق تميزها.أما الإطار الرتيب الذي هيمن على مسار الدولة، فتمثل في محاولات متواصلة من أسرة الحُكم لإعادة النظر في جوهر النظام الدستوري الديمقراطي والتعاقدي المبني على ثوابت متوازنة، من خلال المشاركة الشعبية الفعلية والأدوار المتوازنة لكل من الحاكم والمحكوم، والذي تجسَّد في بناء مدروس لعلاقات متوازنة بين السُّلطات تنطلق من تعاون مستحق ومحصنة برقابة مقننة ومسؤولة، وقد ثبت نجاح ومتانة ذلك منذ عام 1963 حتى عام 1976 ، على المستويين؛ التنظيمي، كما هو مرسوم ومحكوم بالدستور والقوانين المكمِّلة له، والتطبيقي والعملي، كما عكسته تجربة أربعة مجالس أمة متعاقبة وحكومات شكلت في كنفها، وبمسلك موازٍ لها تفهماً وتعاوناً.
وقد سار مسلك ذلك الإطار الرتيب لإيجاد نمط خيار يميل للتفرد بالسُّلطة، وفرض واقعاً مغايراً للثوابت الدستورية المتينة، فكانت محاولة تزوير انتخابات 1967 ، ثم بدأت عجلة تغيير ديمغرافية الشعب والتجنيس العبثي، وتلا ذلك حل مجلس الأمة وتعليق الدستور، وكل تلك المحاولات أفرزت نمطاً جديداً منذ 1978 ينطلق من التحلل من المنظومة الدستورية وثوابتها. وقد كان لهذه التوجهات انعكاس مباشر على نهج الدولة وطبيعتها، وتمثل ذلك بتضييق الحريات وقوانين تقييدها، وتعطيل الدستور ومحاولة تنقيحه وتغيير قانون الانتخاب وتدخلات في العملية الانتخابية سعت إلى جعل المشاركة الشعبية شكلية. وظهرت في أعطاف ذلك سياسات رسمية وحكومية؛ سياسياً ومالياً وإدارياً، خاطئة أرهقت الدولة، وبدأت تجرِّدها عن مؤسسيتها، فصارت الوظائف العامة في مهب الريح وعُرضة للمقايضة في التعيين والترقية، وكل شؤونها لأغراض انتخابية صرفة، وهو ذات الأمر الذي ساد كل الخدمات والإجراءات الحكومية التي قنن فيها الفساد وضاعت المسؤولية، وبدأت تترهل الأجهزة والمؤسسات. وهو المسلك ذاته الذي ظهر في العديد من الممارسات السياسية والمالية التي ابتعدت عن المسار الرشيد للحكومة، وكانت مجالاً رحباً لفساد سياسي ومالي أنهك الدولة، وأبعدها عن مسارَي الإصلاح والتطوير الواعدين. وتلاحقت السياسات والممارسات الخاطئة، وبدأت تتوالى، وتفشت مظاهر الفساد وظواهره بالواسطات غير المشروعة، وقرصنة الوظائف والمناصب والخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية، فانزلقت الدولة للعديد من الأزمات المالية والخدمية، وتعطلت التنمية، وتراجعت الكويت على جميع المستويات، وفي معظم المؤشرات، وهي نتيجة طبيعية لمنهجية خاطئة ومسار عكسي لثوابت الدولة ومنظومتها.وما الحال الذي نعيشه اليوم، بما فيه من إشكاليات وفساد وتراجع مخيف وإفراغ للدولة من مؤسسيتها ومسلكها التطوري والرشيد، إلا نتيجة طبيعية لكل تلك الرتابة، وأطرها ونهجها الخاطئ، وهو ما يفرض عاجلاً وبصورة مُلحَّة أن نعمل جميعاً من أجل تغيير مسار الدولة، لإعادتها لمسارها القويم، تحقيقاً لمصلحة الوطن.