في عالَم شديد التقلب عامر بالصدوع والانقسامات، ربما يكون إغراء تبني مسار مطمئن إلى الانسحاب والعزلة شديدا. الواقع أن تجنب المخاطر المحتملة يبدو طبيعيا، وبسبب افتقارنا إلى بديل أفضل، فقد نميل غريزيا إلى النظر إلى الداخل من أجل الالتفاف حول المخاطر التي يفرضها هذا العالم الذي يبدو قريبا من نهاية الزمان، حيث ينبئنا الأطفال بالحقيقة.

الواقع أن كثيرين منا قرروا بالفعل اتباع هذا المسلك، ومع ذلك فإن الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس في غابات الأمازون المطيرة تُعَد تذكرة صارخة بأن هذا الخط من التفكير مضلل، وإن كان مفهوما. الحق أننا يجب أن نتحرك في الاتجاه المعاكس، فنحن نعيش في عالم على الشيوع، وهذا يعني أننا جميعا معرضون لتهديدات لا تعرف حدودا، ولأن التأثيرات المباشرة أو الجانبية يمكن استشعارها في كل مكان، فينبغي لنا أن نرعى الرغبة في الوفاق لا العزلة.

Ad

تعمل هذه الآراء المتعارضة حول التحديات العديدة التي تواجه عالمنا الذي يتسم بالاعتماد المتبادل على دعم استراتيجيات متباينة، فمن ناحية يسعى أنصار الانفتاح والعمل المنسق الأقوى إلى التعاون مع بلدان أخرى انطلاقا من روح التضامن الدولي، ومن ناحية أخرى يدعو مؤيدو المسارات الوطنية المتميزة إلى اتباع أجندات مصممة لنشر نظرية الانسحاب، بما في ذلك في قلب ميدان السياسة الإنمائية الذي يتسم بالسخاء في جوهره.

الاتجاه العام هنا واضح لا لبس فيه: فهناك عدد متزايد من القادة، من روسيا إلى البرازيل والولايات المتحدة يتبنون بلا أدنى خجل أجندات قومية ويعارضون الجهود الرامية إلى تعزيز الحكم العالمي المشترك، لنتأمل هنا على سبيل المثال مفهوم "رحلة إلى الاعتماد على الذات" الذي روجت له وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية. تنقل هذه العبارة الانطباع الإيجابي المتمثل بتشجيع البلدان التي تتلقى المساعدات الدولية على التصدي شخصيا للتحديات الإنمائية التي تواجهها من خلال الاستقلال المعزز، بدلا من الاعتماد على المساعدات. وتستحق وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية الفضل في الخروج عن المثالية غير الواقعية التي تغلب على جهود التنمية العالمية.

مع ذلك، سنجد أن نهج الاعتماد على الذات الذي تتبناه الوكالة يقبل في الأساس الانقسامات العالمية القائمة، بل ربما يتسبب في تفاقمها، وهو يروج بشكل خاص لمنظور يركز على الداخل، ويرفض فكرة أن الاستجابة الجماعية لتحديات التنمية قد تكون في حكم الممكن، ويبرر المساعدات باسم أمن الولايات المتحدة الوطني لا التضامن الدولي. مثل هذا النهج من غير الممكن أن يشكل الأساس لجهودنا الإنمائية، ولابد أن تكون سياسة التنمية منفتحة وتعاونية، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن سبب وجودها وتعمل بشكل مستتر على الترويج للعزلة، لكن هذا هو الخطر الذي يواجه سياسة التنمية إذا فشلت في إعادة اختراع ذاتها والبقاء بالتالي كأداة نبيلة وإن لم تكن كافية لتعزيز التماسك الدولي.

وإذا كان للعالم المتزايد الانقسام أن يتمكن من تلبية أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة بحلول عام 2030، فإن سياسة التنمية تحتاج إلى طموح متجدد. خلافا لذلك ستنتهي بها الحال إلى المساعدة في تعزيز الحجة لنهج الاعتماد على الذات. نحن لهذا في احتياج إلى مفهوم توجيهي لتحديد أساس جديد للعمل الجماعي، وأعتقد أن فكرة الوفاق وطريقته من الممكن أن تساعد، ربما يكون "الوفاق" طريقة أكثر بساطة وديناميكية للتعبير عن الأهداف العالمية الجماعية التي تنعكس في أهداف التنمية المستدامة، وربما يرقى الوفاق إلى طريقة عمل جديدة قادرة على مساعدتنا في تجاوز التقسيم الثنائي التبسيطي بين المحلي والعالمي.

إن سياسة الوفاق من شأنها أن تعمل على تعبئة الموارد وأصحاب المصلحة بشكل كامل من كل البلدان وتوجيهها نحو التعاون الملموس والمساعدات الدولية المتبادلة، وهذا من شأنه أن يجلب ما أسميه "عالم متعدد الأقطاب".

لتنفيذ هذه السياسة بنجاح، علينا أن نعمل على إعادة إحياء النموذج التقليدي الذي يتمحور حول المساعدات والترويج لمفهوم "الاستثمار في التنمية المستدامة" لتوجيه أكبر قدر ممكن من الاستثمار العالمي نحو تلبية أهداف التنمية المستدامة، ولن يكون الاستثمار في التنمية المستدامة بديلا لمساعدات التنمية الرسمية، لكنه سيعمل على تكميلها كشكل من أشكال الاستثمار يهدف في نهاية المطاف إلى توفير المنافع العامة لا توليد عائدات مالية في الأمد القريب.

إذا كنا راغبين في التصدي لهذه التحديات بنجاح وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فلا ينبغي لنا أن نستسلم لإغراء مفهوم الاعتماد على الذات، ولنبدأ بدلا من ذلك رحلة الوفاق، وليكن الأمل اختيارنا.

* ريمي رو

* الرئيس التنفيذي لوكالة التنمية الفرنسية.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «لجريدة»