الأمازون وأنت
شاهد الجميع تقريبا الصور المأساوية للأمازون وهي تحترق حيث اندلعت عشرات الآلاف من الحرائق خلال العام الماضي وحده، وهذا أمر مهم للغاية، لأن الغابات تمتص الغازات التي تزيد الاحتباس الحراري، ويزيد الحد من غابات الأمازون المطيرة بسبب النيران، مشكلة تغير المناخ بطريقتين: تطلق الحرائق نفسها الغازات، والجزيئات التي تسرع من وتيرة حرارة الأرض، والقضاء على الأشجار يعني أنها لا تستطيع امتصاص ثاني أكسيد الكربون.والموضوع أثر اهتمام الدول الصناعية السبع خلال اجتماع الشهر الماضي في فرنسا، وتعهد زعماء أغنى دول العالم بأكثر من 22 مليون دولار لمساعدة البرازيل، التي تضم الجزء الأكبر من غابات الأمازون المطيرة، ونحو نصف الغابات الاستوائية في العالم، على مكافحة الحرائق، ورفضت البرازيل العرض بنبرة غاضبة.وصرح الرئيس البرازيلي الشعبوي، جايير بولسونارو، بأن بلاده لن تسمح لدول مجموعة السبع بمعاملتها كما لو كانت مستعمرة، وقال المتحدث باسم الحكومة "سيادتنا غير قابلة للتفاوض"، وفي النهاية قبلت البرازيل مساعدة من المملكة المتحدة بقيمة حوالي 12 مليون دولار، لكنها لم تتوصل إلى حل وسط مع مجموعة الدول السبع أو مع فرنسا، التي استضافت الاجتماع.
وما يجري في البرازيل يسلط الضوء على توتر رئيس في العالم، إذ تتمسك حكومة البرازيل بالرأي القائل إن ما يحدث داخل حدود البلاد يندرج في نطاق اختصاصها وحدها، وهذه هي الفكرة التقليدية للسيادة، وهي فكرة تتقاسمها معظم حكومات العالم، ولكنها فكرة قديمة بالنسبة لعالم اليوم المعولم، حيث يمكن لأي شخص الوصول إلى أي مكان تقريبا، ونتيجةً لذلك لم يعد ما يحدث داخل بلد ما تلقائيا مصدر قلقه وحده. لنأخذ على سبيل المثال الإرهاب، ففي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، سمحت حكومة طالبان للقاعدة باتخاذ الأراضي الأفغانية مركزا لعملياتها، وهذا ما فعلته القاعدة بالضبط، حيث شنت عملية أدت إلى مقتل ما يقرب من 3000 رجل، وامرأة، وطفل من الأبرياء، في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، ووجهت الولايات المتحدة إنذارا إلى حكومة طالبان مفاده: تسليم قادة القاعدة وحرمانهم من استخدام أفغانستان في المستقبل لتعزيز الإرهاب، أو أنها ستبعدها عن السلطة، ورفضت طالبان قبول هذا الطلب؛ وفي غضون أسابيع، طرد تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة المجموعة من السلطة بالقوة. والدرس واضح للبرازيل: ما تختار حكومتها القيام به وعدم القيام به تجاه الغابات المطيرة، له عواقب على العالم بأسره، وإذا كانت القضية "مجرد" مشكلة تتعلق بتدهور البيئة والتلوث على المستوى المحلي، فستكون هذه مسألة برازيلية فقط، مع أن الأمر قد يكون سيئا، ولكن ما إن تنتشر آثار إزالة الغابات خارج الحدود، فسيصبح ما يحدث في البرازيل مصدر قلق مشروع للآخرين، والتلوث له علاقة في غالبه بالنتائج المحلية للأنشطة المحلية؛ أما تغير المناخ فينطوي على النتائج العالمية للأنشطة المحلية. ونحن نعلم أن نتائج تغير المناخ مكلفة، إذ أصبحت العواصف، والفيضانات، والجفاف، وغيرها من الظروف الجوية القاسية أكثر قوة، وأكثر تواترا، فقد تَشرد المزيد من الأشخاص داخل بلدانهم، وتحولوا إلى لاجئين نتيجة لذلك، وقد تكون مساحات كبيرة من الكرة الأرضية غير صالحة للسكن قريبا، فتغير المناخ أصبح يشغل الجميع، شأنه في ذلك شأن الإرهاب، وينبغي اعتبار البرازيل حامية "الأمازون" لا مالكة لها. فما الذي يجب عمله؟ إن أحد الأساليب يتمثل بخلق حوافز لدول كالبرازيل حتى تعمل بشكل أكثر مسؤولية، وكان هذا وراء العرض الذي قدمته مجموعة الدول السبع لمساعدة البرازيل، كما أنه يدعم برامج المساعدات الطويلة الأجل التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، ويخصصها للحد من تدمير الغابات، وتشجيع زراعة أخرى جديدة.ومن الواضح أن البرازيل لا تستجيب كما ينبغي، وزادت إزالة العوائق القانونية أمام إزالة الغابات المشكلة، شأنها في ذلك شأن ندرة الموارد الحكومية لإنفاذ القانون ومنع أولئك الذين يقومون بإزالة الأشجار، وإشعال الحرائق، بشكل غير قانوني، وتنطوي السيادة على واجبات وحقوق كذلك، وعندما يستعصي الامتثال يجب تطبيق سياسة الضغط. لقد حان الوقت للنظر في فرض عقوبات ضد البرازيل إذا رفضت الوفاء بالتزاماتها تجاه العالم، ويبدو واضحا أن الحوافز الإيجابية لتشجيع الإجراءات المرغوب فيها وتمكينها ستكون السياسة الأفضل، ولكن لابد أن تكون هناك سياسات ترهيبية لا تتضمن ما يكفي من السياسات الترغيبية. وتعتمد العديد من الحكومات هذا النهج لردع الإبادة الجماعية، والإرهاب، وانتشار الأسلحة، أو الرد عليها، ويثير سلوك البرازيل سؤالا عما إذا كان ينبغي معاملة من يشجعون تغير المناخ بطريقة مماثلة.* ريتشارد ن. هاس* رئيس مجلس العلاقات الخارجية، مؤلف كتاب "عالم في حالة فوضى: السياسة الأميركية الخارجية وأزمة النظام القديم".«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»