في مطلع شهر أغسطس الماضي تم انتهاك الوضع الخاص المستمر منذ عقود في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، وكانت الهند منحت كشمير في عام 1947 درجة معينة من الحكم الذاتي ومضت الى حد السماح لذلك الإقليم بوضع دستوره الخاص، ومنذ ذلك الوقت حدثت نزاعات ضمن إقليم كشمير وقامت باكستان بغزوه ومحاولة السيطرة عليه اضافة الى المجموعات الانفصالية والإرهابية المطالبة بالاستقلال عن الهند.وقد سادت موجة هدوء في تلك المنطقة بعد عقود طويلة من العنف والحرب، وذلك نتيجة وجود الجيشين الهندي والباكستاني على جانبي الحدود مع التعرض الى احتجاجات وقلاقل وأعمال عنف من سكان كشمير، وقد أفرزت هذه المواجهة توازناً مرعباً للقوى بعد أن وجد الإقليم نفسه ساحة للنزاع بين دولتين نوويتين.
وبعد سنوات من عدم حدوث أي تغيير تقريباً في الإقليم أحدث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هزة صادمة لدى الكثير من المسؤولين عندما أعلن إلغاء المادتين (370) و(35 إي) من الدستور الهندي– وهما تمنحان إقليم كشمير وسكانه مزايا معينة– إضافة الى الدستور في كشمير، وعلى أي حال تشير أعمال ولغة مودي في الماضي الى أنها عملية مدروسة ومحسوبة، وفي حين تطرح هذه الخطوة الأخيرة الكثير من الأخطار فإن من المحتمل جداً أن رئيس الوزراء الهندي يعتقد أنه طبق استراتيجية كبيرة للظهور في صورة المنتصر في هذا النزاع.
جذور النزاع
يرجع النزاع الحالي الى جذور التقسيم الذي وقع بعد الاستقلال في شبه القارة الهندية، وقد طلب من ولايات معينة الانضمام الى الهند أو باكستان، وكانت ولاية جامو وكشمير حالة شاذة مثيرة للاهتمام على أي حال. وكان الانضمام الى الهند يعني إغضاب الأكثرية المسلمة، ولكن الانضمام الى باكستان يفضي الى تعريض مصالح الأقليات للخطر ، وأمام هذه المحنة المعقدة اختار الملك الهندوسي البقاء دولة مستقلة، وعلى أي حال، كانت باكستان تنوي ضم كشمير ولو عن طريق القوة إذا دعت الضرورة الى ذلك، وقام الجيش الباكستاني بتدريب وتسليح القبائل الباكستانية على حدود اقليم كشمير، وأعطى تلك القبائل تعليمات حول غزو الإقليم، ونظراً لقلة سلاح وعدد قواته عمد المهراجا الى التوجه لنيل المساعدة من الهند، وردت الهند بتقديم دعم عسكري وخلال الشهور التي أعقبت ذلك توصلت الهند الى تأمين جامو وكشمير فيما أمنت باكستان إقليم جيلجيت.وأعقب ذلك حالة من الهدوء الحذر مع استمرار النزاع الذي لم يسفر عن نتيجة حاسمة، وبعد هذا التطور طلبت الهند من الأمم المتحدة التوسط في نزاعها مع باكستان، وتم تشكيل لجنة من أجل معالجة قضايا الإقليم كما تم إقرار حل يقترح سحب مختلف القوات العسكرية من الهند وباكستان معاً.وعلى أي حال، لم تتمكن الهند وباكستان من التوصل الى اتفاق حول أي حل، وهو ما أسهم في تفاقم المأزق بين البلدين، وفي النهاية أصبحت أجزاء من كشمير خاضعة لادارة الهند وأجزاء أخرى خاضعة لإدارة باكستان، ولكن النزاع لم يصل الى نهاية. ومنذ ذلك الوقت اشتبك البلدان في مناوشات وحروب واستهداف للأقليات.وقد جرت أحداث معينة حول كشمير خلال الشهور التي سبقت الإعلان عن إلغاء الدستور المتعلق بكشمير، وفي حين كانت هذه الخطوة مفاجئة فإن الأحداث التي أثارتها كانت جلية تماماً، وقبل وصول مودي الى الحكم في عام 2014 شن حملة عنوانها اتخاذ موقف أشد قسوة نحو باكستان والإرهاب مع تحسين موقفه من الهندوس على الجبهة الداخلية. وبعد انتخابه وفي أواخر عام 2016 وقع هجوم على القوات المسلحة الهندية على مقربة من مدينة يوري في كشمير من قبل جماعة تدعى جيش محمد، ودعا قادة جناح اليمين الى القيام بعمل حاسم ضد الإرهابيين، وتشير التقارير العسكرية الى أن المجموعات الإرهابية قد تمركزت في الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير. وقد قلصت هذه الحقيقة من خيارات الرد الانتقامي من جانب مودي لأن الرد ضد جيش محمد سوف يعتبر انتهاكاً لمنطقة باكستانية، كما أنها خطوة رفض القيام بها حزب المؤتمر الهندي الذي كان في السلطة.وقد اختار مودي الذي كان في فترة رئاسته الأولى مضاعفة موقفه المتشدد، وقرر القيام بعملية بسيطة من أجل القضاء على جماعة جيش محمد العاملة في الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير، وكانت العملية ناجحة وحققت نتائج ايجابية من السكان الهنود، واستدعت في الوقت نفسه ردة فعل محدودة للغاية من جانب المجتمع الدولي باستثناء باكستان، وبعد ثلاثة أعوام وفي شهر فبراير 2019 وقع هجوم ارهابي مماثل على قوى الأمن في مقاطعة بولواما في كشمير، وكما كانت الحال في عام 2016 دعا المتشددون الهنود الى ضربات انتقامية وقد أسهم ذلك في إعادة انتخاب مودي بأغلبية ساحقة. وما تشير اليه هذه الأحداث هو سابقة بالغة الأهمية تعلمها مودي وتفيد بأن سياسة التشدد تقابل بدعم في جميع أنحاء العالم ما دامت النية هي مواجهة الإرهاب، وطوال تلك الأحداث ظل موقف الهند إزاء إقليم كشمير من دون أي تغيير يذكر، والسؤال هو: لماذا أقدم مودي على خطوته الآن؟في ضوء مواقف مودي وحزب بهاراتيا جاناتا يبدو من الواضح السبب الذي أفضى الى الغاء المادة 370 السالفة الذكر وهو التوجه بشكل أفضل نحو الدوائر الانتخابية، وعلى أي حال فإن من المهم أن نفهم أن التوازن الحذر بين الهند وباكستان وكشمير ليس من السهل العبث به. ثم إن المأزق بين الكيانات الثلاثة كان موجوداً منذ بعض الوقت، ومن الوجهة العملية سيكون الدمج مفيداً بالنسبة الى الهند لأن انهاء الحكم الذاتي سيعطي الجيش موقعاً أقوى من أجل تأمين كشمير كما يوفر للمواطنين الهنود مزايا معينة في الإقليم. وتجدر الاشارة الى أن الكثير من رؤساء الوزارات السابقين لم يقدموا على إلغاء دستور كشمير لأسباب إنسانية وعلى أي حال فإن غياب الفرصة لضم كشمير هو الذي منع قادة الجناح اليميني في الهند من تحقيق أهدافهم، ومن جهة أخرى يبدو أن مودي تلقى الكثير من الفرص من أجل تحقيق غايته.تجارب مع المجتمع الدولي
يمكن القول إن تجارب مودي وحزب بهاراتيا جاناتا مع المجتمع الدولي ربما أفضت الى الفكرة القائلة إن أعمال المتشددين ستكون مقبولة، وبما أن ذلك ليس كافياً لتشجيع المرء على القيام بخطوة تنطوي على خطر كبير فإن عوامل دولية أخرى أسهمت في تحقيق تلك الغاية. وكان أحد هذه العوامل وأكثرها أهمية هو الولايات المتحدة، وطوال معظم التاريخ الهندي أدت الولايات المتحدة دوراً سلبيا الى حد ما إزاء الهند. ويرجع ذلك الى حد كبير لموقف الهند الحيادي خلال الحرب الباردة الذي دفع الولايات المتحدة الى توقيع الكثير من اتفاقيات السلاح مع باكستان، وفي حين تغيرت هذه العلاقة في فترة ما بعد العهد السوفياتي تستمر واشنطن في الحذر ومراقبة التطورات في المنطقة. ومع ابتعاد ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن دور شرطي العالم أصبحت الدول أكثر قدرة على اختيار خطها السياسي، وإضافة الى ذلك، فإن اعتراف الولايات المتحدة أخيراً بمرتفعات الجولان المحتلة بكونها منطقة اسرائيلية يمكن أن يستخدم على شكل تبرير لتصرف الهند، كما أن تصرف روسيا في شبه جزيرة القرم يطرح الفكرة ذاتها. وأخيراً كانت موجة الاحتجاجات التي اندلعت في هونغ كونغ مصدر راحة بالنسبة الى مودي لأن الحكومة الصينية المتحالفة مع باكستان منذ زمن طويل كان يحتمل أن تعارض الخطوة التي قامت الهند بها، وعلى أي حال وفي ضوء اهتمام المجتمع الدولي بوضع هونغ كونغ الآن ودور الصين المحتمل في هذا الصدد ليس من المفاجئ أن تتراجع بكين خطوة الى الوراء ازاء قضية كشمير وتركيز اهتمامها على قضيتها الأكثر أهمية في هونغ كونغ.