«الفنان» صفة لمن يستحقها!
هناك مسميات ومصطلحات خاطئة وألقاب يتم تداولها دون وعي من البعض أو جريا على عادة متوارثة، ومنها أن كل من تخرج من كلية أو معهد أو مدرسة للفنون يطلق عليه لقب "فنان".قد يكون هذا وصفا يستخدم لهذه الفئة لكنه ليس متطابقا مع معنى "فنان" في جوهره، ذلك أن الفنان هو "المبدع الخلاق" في عطائه، أما بالمعنى المتداول بين العامة فهؤلاء أصحاب صنعة مبهرة ينتمون إلى فئة أخرى، وهم في كل المجتمعات لا غنى عنهم لإرضاء رغبات الأقل اهتماما بالفنون الرفيعة التي هي جوهر حديثنا هنا وأعمالهم في متناولهم.أما الأعمال الإبداعية الرفيعة فدائما لها تقييم آخر وقيمة أخرى تتحقق من قبل المتخصصين وأصحاب القدرة على التقييم، ولعل الجهل بمضمون الكلمات هو من يتسبب في هذا اللغط، بالإضافة إلى عدم وعي ممن يكتبون بلا تمييز ولا معرفة حين يتاح لهم الحديث عن الفنون في وسائل الإعلام وفي المجالس العامة، فيختلط الأمر على بسطاء الناس بمن فيهم بعض قليلي الخبرة!
هذه الحالة ليست مقصورة على الفنون الجميلة بما فيها الغناء والموسيقى، بل هي عامة في عالم الثقافة والمسرح والسينما، فدائما هناك لغط وعدم فهم لطبيعة كل إبداع على حدة أو للإبداعات مجتمعة مادام هناك من لا يبحث في جوهر الكلمة ومعناها والقصد منها.عالمنا المنفتح على مصراعيه بات ملعبا لكل من هبّ ودبّ ليدلي بدلوه بوعي وبدون وعي، وهذا في حد ذاته يصل حد المصيبة أو الكارثة إن لم يكن مقننا ومضبوطا بحسابات ووعي برسالة من يكتب أو يتحدث في تقييم الأعمال الفنية، خصوصا ونحن أمام قنوات فضائية ووسائل نشر لا حصر لها، وبأكثر من لغة، ولا شك أن هذه الوسائل لها سطوة على المتلقي، وخصوصا إن كانت بالصورة الحية من خلال الشاشات التي ترافق كل فرد تقريبا في أجهزة كثيرة متعددة تبدأ من التلفون ولا نهاية لها. قد يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو كيف لنا أن نـُحـِد من هذه الموجة التي تلوث أحاسيس المتلقي ومشاعره؟!قد لا نـُوفق في إجابة محددة، ولكن لابد من وضع تصور قد يجنب المتلقي الوقوع في براثن هذا الأخطبوط صاحب الأذرع الكثيرة، ويتخلص من أخطاء وقعت عليها عينه أو وصلت سمعه أو قرأها في مقال، بأن نهيب بأصحاب الأقلام ومن على شاكلتهم بأن يتوخوا كل حقيقة المصطلح الذي يريدون من ورائه خيرا للمتلقي، وأن يطرحوه بالشكل السليم والصحيح، وألا يتركوا مجالا للكلمات المبهمة كي تتقاذف المتابع وتلقي به في هوة لا قرار لها، فيتخبط دون وعي بما يصله، ثم يكرره على أنه يقين، فتتسع الفجوة بين المبدع الحقيقي والمتلقي الذي هو هدفه الأول والأخير من رسالته الفنية العالية الرفيعة.نضع في تصورنا الحالة العامة التي تمر بها الثقافة والفنون بشكل عام من تخبط واختلاط طغى فيه "الغث" على "الثمين"، وبات ظاهرة يحاربها كل حريص على أن تبقى حالة العطاء متجددة بابتكار وتطور بعيدا عن الإسفاف، من خلال البحث عن المستويات العليا والأخذ بيد المبدعين الذين نتوسم فيهم خيراً وإخلاصاً في تقديم فن وثقافة راقية تحفظ للمسميات معناها الأصلي، عندها ستسقط المسميات الدخيلة، وتحتجب إن أحسن المبدعون في الفن والثقافة الأداء وتخيروا البيئة الصالحة لزرع عطائهم.* كاتب فلسطيني- كندا