«الرواية والحجاج» و«زهرة الفم» نبتتان في النقد والشعر
كتابان للباحث المغربي مصطفى رجوان
صدر للشاعر والباحث المغربي مصطفى رجوان كتابان جديدان، أولهما في مجال النقد بعنوان "الرواية والحجاج"، والآخر ديوان شعري بعنوان "زهرة الفم"، تفصلهما أشهر قليلة. وفي حديثه لـ "الجريدة" من القاهرة يلقي رجوان الضوء على سمات وملامح كتابيه، كما يتحدث عن تنقلاته بين الشعر والنقد ورؤيته للواقع الأدبي الراهن.
يطلعنا الشاعر والباحث المغربي مصطفى رجوان على أهم ملامح الحِجاج في كتابه "الرواية والحجاج"، مبيناً أن هذا الكتاب في الأصل أطروحته للماجستير، وهو حلقة ضمن مشروع ممتدّ في بلاغة الرّواية، "قمتُ فيه بالتحليل الحجاجي لنماذج متنوعة من الرواية المغربية مراعياً خصوصيات الرواية باعتبارها جنسا أدبيا متميزاً ومحاولاً الكشف عن الحجاج الخاص الذي تنفرد به الرّواية". وقال إن هذا الكتاب هو الأول المختص في دراسة الحجاج في الرواية، وإن كانت هناك كُتب درست ذلك الموضوع في بعض فصولها، أهمّها كتب محمد مشبال، "كما لا ننفي وجود أطروحات جامعية أعدت في الموضوع منذ سنوات، لذا لابد من العودة إلى تراثنا"، مبيناً أن العلاقة مع التراث لا تهمُّ الناقد فقط، بل تهمُّ المبدع والإنسان كذلك، فالتراث جزءٌ من هويّتنا، وهو الأرض الصلبة التي نقف عليها، والقوة التي تدفعنا من الخلف، ومن لا تراث له لا مستقبل له".
زخم روائي
وعن تفسيره للزخم الحاصل في كتابة الرّواية على حساب الشعر، قال: "يمكنُ أن نسمي هذه الظاهرة بالهجرة الجماعية إلى الرواية، وإذا كانتْ هجرةً فإنَّ أرض الشعر قد صارت ضيقة بينما في أرض الرواية الواسعة متنفّس"، مشيراً إلى أن "المشكلة الأساسية في تقديري تكمن في أنّ الشّعر صار يُعاني مشكلة الاستسهال بعد سقوط كلّ معايير الشعر وقوانينه المتعارف عليها، في حين أصبحت الرواية مضماراً لسباق المسافات الطويلة والإبانة عن نَفَس الكتابة الطويل والجميل مع المحافظة على الثابت في الرواية والإبداع في المتحوّل منها".وأضاف أن "الصوت في القصيدة واحد وهو صوت الشاعر الذي يظلُّ وحيداً عند اندلاع مواجهة مع جهة ما، بينما تتميز الرواية بتعدد الأصوات، وفيها يُمكن أن يُعبّر المؤلف عن رأيه أو مجموعة من الآراء المتعارضة، وأن يُسندها إلى أعوان السرد التخيليين".«زهرة الفم»
وعن ديوانه زهرة الفم، يقول: "نشرتُ هذا الديوان الذي فاز بالمركز الأول في مسابقة الديوان الأول في تطوان المدينة المغربية الرائعة، وفزت بالمركز الثالث في مسابقة الأمير راشد للإبداع بالفجيرة عن مجموعة قصائد من الديوان العام الماضي". وبمناسبة صدور ديوانه يتحدث رجوان عن أزمة الشعر، فيقول: إن "مشكلة الشعر تكمن في الإيتوس أو صورة الشاعر التي اهتزت كثيراً، لم يعد الشاعر مهيبا لأنه يستسهل، وقد أتاحت التكنولوجيا ومواقع التواصل هذه الإمكانية، وقد رأيتُ (شعراء) مغاربة تعدوا مرحلة اندفاع الشباب ينشرونَ كلّ يوم نصوصاً جديدة على صفحاتهم"، مضيفاً: "إن نشرتَ نصوصك في فترات متقاربة فستفشلُ مهما كانت هذه النصوص جيدة، لأنك أرخصتها". وعقب بأن هناك كتاباً نقديّاً قديماً عنوانه "عيار الشعر" لابن طباطبا، وكذلك "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، "وهما يعدُّان الشّعر ذهباً، والذهبُ معروفٌ بندرته، فإنْ استُسهلَ الشّعر وكثُرَ صارَ تُراباً ولم تعد له قيمة، فالهويّةُ شاعر، كما عنون عبد اللطيف اللعبي أحد كتبه، لكن يبدو أنَّ صوت الشاعر اليوم غير مسموع وسط وجود أصوات نشاز تملأ الرحب".وأكد رجوان أن الأدب (الشعر، الحكايات الشعبية...) كان في العصور القديمة المتنفّس للناس، وكان سبباً من أسباب مُتعتهم وأعظمها، بينما ملأت التكنولوجيا اليوم الدنيا وشغلت الناس، ومع ذلك، فإنَّ الأدبَ فاكهةُ خاصّة. من أجواء ديوان زهرة الفم: مَاذَا سَيَفْعَلُ شَاعِرٌ هَذَا المَسَاءَ؟مُسَافِرٌ في السَّهْوِ..أنتعل الحفاءَبلا يَدَينِ ولا فمٍهَيَّأْتُ بَعْضَ الصَّمْتِهيأتُ الرَّتَابة واستويتُ على الفراغ،ورحت أشربُ قطرةَ المعنى المعتقمالئا هذا الخواءَورحتُ أَرْقُصُ حَوْلَ وَسْوَسَةٍ (بلا عَينَينِ)،أَسْتَسْقِي البكاءَورحْتُ أَرْقُصُ عَارِياً لَكِنَّنِي...أَكْسُو العَراءَرَسَمْتُ صِفْراً لا نِهَائِيّاًصَعَدْتُ إلى المحَالِأَنَا بُخَار الشِّعْرِ يَأْخُذُني التَّشَظِّي حيثُ شاءَمشروع بلاغي
مصطفى رجوان شاعرٌ وكاتب مغربيٌّ من مواليد عام 1990، له عدة مؤلفات أبرزها: عزلة أطلانتس والرحيل الأخير، وسبق أن حصل على جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع وصدر له مؤخرا "الرواية والحجاج"، عن دار دجلة الأكاديمية، وديوان "زهرة الفم"، الذي صدر عن منشورات دار الشعر بتطوان، في المملكة المغربية.وعن مشروعه الأدبي، يقول رجوان الذي يعكف حالياً على الانتهاء من ديوان جديد ويتحيّنُ فرصة للنشر، فضلاً عن رواية جديدة: " يوجد مشروع واحدٌ كبير أحاولُ تطويرهُ طوال مساري البحثي، يتعلّق بإعادة مساءلة المفاهيم في البلاغة وتحليل الخطاب ومساءلة التلقي العربي للمعرفة النقدية، ويجمع بين التنظير والإنجاز".