ترامب يعلن الحرب... والديمقراطيون يسرِّعون «العزل»

• أول استدعاء في المساءلة لبومبيو
• البيت الأبيض يقيد اتصالات مع زعماء أجانب

نشر في 29-09-2019
آخر تحديث 29-09-2019 | 00:04
ترامب يردّ على أسئلة الصحافيين وإلى جانبه نائبه مايك بنس في البيت الأبيض أمس الأول (اي بي آي)
ترامب يردّ على أسئلة الصحافيين وإلى جانبه نائبه مايك بنس في البيت الأبيض أمس الأول (اي بي آي)
بينما تعهّد الديمقراطيّون بالتحرّك بسرعة في قضيّة عزل الرئيس دونالد ترامب، معتبرين أنّ الأدلّة واضحة على إساءته استخدام السُلطة من خلال مكالمته الهاتفيّة مع نظيره الأوكراني ومحاولات التستّر على مخالفات، قرّر الرئيس في المقابل استخدام الهجوم المضاد، معلناً الحرب على المعسكر الديمقراطي.
شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب المهدد بآلية عزل، هجوماً مضاداً شرساً، معولاً على حلفائه الجمهوريين ووسائل الإعلام المؤيدة له وحسابه على «تويتر»، على أمل نقل مركز الاهتمام منه إلى خصمه جو بايدن.

«إننا في حرب». تلك الجملة التي قالها ترامب في جلسة خاصة مغلقة مع دبلوماسيين أميركيين في نيويورك، تختزل وضع الرئيس البالغ من العمر 73 عاماً الذي يستعد لخوض أشرس معاركه حتى الآن.

وفي مقطع مصور مدته 15 دقيقة، قال ترامب مشيراً إلى مسرب المعلومات، أن «هؤلاء الأشخاص مرضى». وتابع: «أريد أن أعرف من هو الشخص، ومن أعطى للمسرب المعلومات؟ لأن ذلك أقرب إلى أن يكون جاسوساً».

ويواجه ترامب وسط حملته للفوز بولاية رئاسية ثانية، خطر عزله، وفق آلية لم يسبق للكونغرس أن استخدمها في تاريخ الولايات المتحدة سوى ضد اثنين من أسلافه.

وإن كانت فرص عزله تبقى ضئيلة في ظل الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، لكن الخطر يبقى جسيماً إلى حد يتطلب منه تعبئة مؤيديه.

ودعا الجمهوريين في تغريدة محاها لاحقاً إلى «البقاء موحدين وإلى القتال لأن مستقبل بلادنا على المحك».

ويواجه الملياردير النيويوركي أزمة خطيرة بسبب مكالمة هاتفية أجراها خلال الصيف مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي وطلب منه خلالها التحقيق حول بايدن، في وقت تشير استطلاعات الرأي إلى أن نائب الرئيس السابق هو المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً لهزم الرئيس في انتخابات 2020.

ويرى الديمقراطيون في هذا الاتصال «سوء استخدام للسلطة» على قدر من الخطورة يبرر الشروع بآلية عزل لا تستخدم سوى في حالات نادرة جداً.

ورد ترامب ببناء دفاع يقوم على ثلاثة عناصر، هي: تأكيد براءته وطرح نفسه في موقع الضحية وتوجيه التهمة إلى بايدن.

ويردّد ترامب منذ أسبوع أن اتصاله بزيلنسكي كان «خالياً من أي شوائب وقانونياً تماماً و«عادياً».

ورداً على تحركات عزله، اعتبر ترامب أن «الديمقراطيين الآن سيعرفون الحزب الذي لا يفعل شيئاً».

استقالة شيف

ودعا في سلسلة تغريدات، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الديمقراطي آدم شيف إلى الاستقالة «فوراً» من الكونغرس معتبراً أنه «قام بقراءة نسخة مزورة في الكونغرس وأمام ملايين المشاهدين من محادثتي مع الرئيس الأوكراني».

وأضاف: «كان من الأجدى أن يقرأ النسخة المدونة الدقيقة من المكالمة، لكنه غيّر كلماتي بشكل كامل حتى يجعلها تبدو مريعة ويجعلني أبدو مذنباً، لقد كان يائساً وتم فضحه».

وقال ترامب: «آدم شيف بفعله هذا كذب على الكونغرس وحاول خداع الشعب الأميركي. لقد استمر في فعل هذا لمدة سنتين، وأنا أدعوه لأن يستقيل فوراً من الكونغرس».

من ناحيته، أقرّ شيف بتعديل النص لكنه عزا ذلك إلى محاولته تلخيص نص المكالمة للنواب.

إلى ذلك، قدّم المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا كورت فولكر، استقالته إثر تلقّيه استدعاءً من الكونغرس لاستجوابه في إطار التحقيق الرامي إلى عزل ترامب.

وفولكر دبلوماسي مخضرم كان سفيراً للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي إبان عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش.

بومبيو

وفي أولى خطوات تحرّكهم السريع، طالب ديمقراطيّون يرأسون لجاناً نافذة في مجلس النوّاب أمس الأول، وزير الخارجيّة مايك بومبيو المقرّب من ترامب بتزويدهم وثائق حول قضيّة أوكرانيا، بغية «تسريع» التحقيق الرامي إلى عزل الرئيس.

وجاء في بيان لرؤساء لجان الخارجيّة والاستخبارات والإشراف على السلطة التنفيذية، توجّهوا فيه إلى بومبيو، أنّ «رفضكم الامتثال لهذه المطالبة سيُشكّل دليلاً على عرقلة تحقيق مجلس النوّاب» في هذا الإجراء النادر ضدّ رئيس أميركي.

وبينما صوت مجلس النواب (223 نائباً مقابل 184 نائباً) برفض مشروع قرار تقدم به الجمهوريون من أجل وقف قرار رئيسة المجلس نانسي بيلوسي بمواصلة إجراءات المساءلة، قالت بيلوسي، إن الرئيس دفع الديمقراطيين إلى فتح تحقيق بهدف عزله، واتهمت ترامب باستخدام أموال دافعي الضرائب «لتحقيق مكسب خاص به وعرّض الأمن القومي للخطر وعرّض سلامة انتخاباتنا للخطر، كما شهدنا تدخلاً روسياً، وبالمناسبة، أعتقد أن لروسيا دخلاً في هذا».

إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اعتبر أن الجدل الدائر عن المكالمة الهاتفية جرى تضخيمه إلى حد كبير.

وقال للصحافيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: «قالت نانسي بيلوسي إن روسيا وراء واقعة المكالمة الهاتفية بين الرئيس ترامب والرئيس زيلنسكي التي جرى تضخيمها إلى حد كبير، هذا جنون الشك، وأعتقد أن ذلك واضح للجميع».

وأفادت صحيفة «واشنطن بوست»، أن الرئيس الأميركي أبلغ لافروف وسفير روسيا لدى واشنطن سيرغي كيسلياك، أنه غير مهتم بمسألة تدخل موسكو في انتخابات 2016، نظراً إلى أن الولايات المتحدة تقوم بالأمر ذاته في بلدان أخرى، حسب ثلاثة مسؤولين سابقين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم.

ولم يتضح ما إذا كان تم حفظ الوثيقة التي تتضمن تفاصيل لقاء ترامب مع المسؤولين الروس في النظام ذاته.

لكن شبكة CNN الإخبارية، أوضحت أن البيت الأبيض، فرض قيوداً على الوصول إلى نص المكالمات الهاتفية التي أجراها ترامب مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وأوضح المصدر أن المسؤولين الذين لهم صلاحيات الاطلاع على نصوص المكالمات التي يجريها ترامب مع القادة الأجانب وبينهم ولي عهد السعودية، لم يروا أياً من هذه النصوص.

ماذا يقول القانون عن المبلغين؟ ولماذا نشأت معضلة؟

يحمي القانون الأميركي العاملين في الاستخبارات الذين يبلغون عن عمل يعتبر غير قانوني في الادارات الحكومية (whistleblower)، لكن الطريق ضيق جداً أمامهم والتدابير صارمة إزاء هؤلاء المخبرين.

وتم تعديل القانون الصادر في عام 1998، في عام 2010 بتأسيس المفتشية العامة لأجهزة الاستخبارات. وهذا الجهاز مستقل عن مدير الاستخبارات الوطنية الذي يشرف على الوكالات الحكومية.

وكل تبليغ يجب أن يرسل إلى المفتشية العامة لأجهزة الاستخبارات التي يجب أن تقوم بدراسته 14 يوماً حداً أقصى، وإذا استنتجت أن البلاغ موثوق، تقوم بدورها بتحويله إلى مدير الاستخبارات الوطنية.

وعلى الأخير نقل البلاغ إلى اللجنتين الخاصتين بالاستخبارات، في مجلسي النواب والشيوخ، خلال مهلة سبعة أيام.

وبموجب القانون، يمكن للمخبر أن يحيل الملف مباشرة إلى لجنتي الاستخبارات في الكونغرس، لكن عليه إبلاغ المفتش العام، و"طلب استشارة" مدير الاستخبارات الوطنية بهدف أن "يتواصل بشكل آمن" مع اللجنتين.

وما جرى في ما بات يعرف بـ "قضية زيلنسكي" أنه في 12 أغسطس الماضي، أرسل أحد العاملين في الاستخبارات، يتردد انه من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، بلاغاً متعلقاً بمكالمة هاتفية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلنسكي في 25 يوليو.

واتبع هذا المخبر الإجراءات الضرورية، مبلغاً المفتشية العامة لأجهزة الاستخبارات بـ "مشكلة طارئة" زاعماً أن ترامب يستغل منصبه لـ "طلب تدخل بلد أجنبي بانتخابات عام 2020 في الولايات المتحدة".

واعتبر المفتش العام مايكل أتكينسون أن هذا البلاغ يتسم بالصدقية ويجب متابعته من قبل مدير الاستخبارات الوطنية جوزيف ماغواير.

لكن بعد استشارة الإدارات المعنية بالشؤون القضائية في البيت الأبيض، توصل ماغواير، الذي عينه ترامب أخيراً، إلى أنه غير ملزم بإبلاغ الكونغرس بمحتوى البلاغ، وأغلق الملف.

وأوضح الخميس أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب أن المحادثة بين الرئيسين تخضع لحق الرئيس في عدم كشف معلومات ولا تدخل ضمن إطار أنشطة الاستخبارات.

لكن أتكينسون قرر إبلاغ الكونغرس مباشرة عما ابلغه هذا المخبر، دون أن يكشف عن فحواه. وهذا سيناريو غير مسبوق بالنظر لأن القانون لا يشير إلى ماهية الإجراء الذي يتبع في حال أغلق مدير الاستخبارات الوطنية الملف.

حملة ضد «نيويورك تايمز» لنشرها تفاصيل عن المُبلّغ

أثارت صحيفة نيويورك تايمز جدلا واسعا، وأحيت النقاش حول حماية المبلغين، بعد نشرها تفاصيل عن المخبر الذي تسبب في بدء إجراءات لعزل الرئيس الأميركي.

وبعد نشر الصحيفة تقريرا يتهم الرئيس دونالد ترامب بطلب "تدخّل بلد أجنبي في انتخابات عام 2020" الرئاسية، كشفت الصحيفة الخميس تفاصيل عن المبلّغ.

وذكرت أنه من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وعمل لفترة في البيت الأبيض، وهو خبير في الملفات الأوروبية والوضع السياسي في أوكرانيا.

واعتبر محامو هذا المبلّغ، كما عاملين آخرين في الاستخبارات، أن الكشف عن هذه المعلومات المتعلقة به أمر "خطير" بالنسبة إليه على المستويين المهني والشخصي.

وانتشرت دعوات لإلغاء الاشتراك بهذه الصحيفة الواسعة النفوذ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "الغوا نيويورك تايمز"، في حين طالب البعض باستقالة رئيس تحريرها دين باكيت.

وقد دافعت "نيويورك تايمز" عن قرارها نشر التفاصيل المتعلقة بالمبلّغ. وأوضحت أن ترامب ومؤيديه هاجموا مصداقيته، وأن نشرها تلك التفاصيل يسمح للقراء بأن "يحكموا بأنفسهم" على مصداقيته. لكن هذه الإيضاحات لم تقنع الجميع.

ورأى جون مارشال، الأستاذ في كلية الصحافة بجامعة نورث ويسترن، أن "هذا القرار صعب. وجدت نيويورك تايمز نفسها بين مبدأين مهنيين متضاربين".

من جهة، مبدأ "البحث عن الحقيقة ونشرها"، من جهة أخرى "الحد من الآثار السلبية التي يسببها ذلك، مما يعني عدم تعريض المصادر للخطر". وإضافة إلى كل ذلك، يدخل عامل المنافسة الإعلامية التي تفاقمها ضغوط دوائر المعلومات ما يترك لوسائل الإعلام "وقتاً قليلاً" للتفكير في عواقب قراراتها.

ويرى مارشال وآخرون أن "شخصاً واحداً أو اثنين فقط" تتطابق أوصافهما مع الوصف الذي نشرته الصحيفة عن المبلّغ.

ويرون لذلك أن الصحيفة وضعت هذا الشخص بالنتيجة "في خطر محتمل".

وخلافاً لقطاعات مهنية أخرى، لا يمكن لعنصر استخبارات اللجوء للمحاكم لمقاضاة مرؤوسيه، وليس لديه سوى خيار تقديم شكوى أمام السلطة التنفيذية. ويعني ذلك أنه إذا أراد الرئيس أن يُدفعه ثمن فعلته، فلا يمكن للمبلّغ أن يعترض إلا لدى الرئاسة.

تقارير تتهم ترامب بأنه أبلغ موسكو عدم اكتراثه بتدخلها في الانتخابات
back to top