تحاوروا وإلا! *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
يتقوقع الجميع، ويصعب على الفرد حتى ذاك الذي بدأ يرى في مثل هذه القطيعة وخطابات الكراهية خطراً قادماً على مستقبل بلده بل وطنه وربما على كل المحيط، أن يجد وسيلة تطرح الأسئلة ولا تعاند وتعارض الرأي السائد، ومن يفعل فهو كمن يردد هم "يحاربون طواحين الهواء"، دونكيشوت حتى العظم كما يقولون! وحتى عندما يقترب الخطر حتى يكون عند أبواب مدننا وشواطئنا، تبقى المكابرة ورفع السيف كما حروب الجاهلية الأولى، أو تلك الشعارات التي سادت في مرحلة ما "لا تصالح"! وفي حين كانت تقال للعدو الأول الذي تحول إلى الصديق الأول، أصبحت موجهة إلى الأخ والصديق والجار الذي قد لا نحب ولا نتفق معه، ولكن الجغرافيا أقوى من كل العوامل الأخرى، فعندما غزا العراق الكويت كرر الكويتيون: هل نستطيع أن نبعد الكويت وجدودها عن ذلك الجار؟ عند حديثنا عن تلك الظاهرة المنتشرة، تقول هي بحرقة قلب "لا أستطيع أن أصافح وأتعامل مع أيد لُطخت بالدماء"، وآخر يردد كيف أحاور من أفسد في الأرض، ودمر مستقبل أولادي بل أحفادي، وراكم علينا الديون، وذاك الذي خلق الفرقة بين الشعب، بل بين الأخ وأخيه والزوج وزوجته؟ ويقول لنا من مروا قبلنا بمئات السنين إن الحوار لا يكون إلا بين المختلفين، والمفاوضات هي في الكثير من الأحيان بين ما يسمى "الأعداء"، وإلا لماذا يتصالح من هم متفقون؟ وهل رأيتم دولتين متفقتين عملتا صلحاً؟ وآخرون يذكرون بحروب كانت، ورؤوس قطعت، وشوارع سقيت بدماء الكثير من الأبرياء، فوقود الحروب كلها هم الشعوب والفقراء لا من أشعلوا الحروب، حتى الجيوش أصبحت وسيلة لامتصاص أبناء المعوزين الذين تقطعت بهم سبل العلم والعمل. الحوار هو وسيلة وليست "كليشيها" إعلاميا، ككل العبارات التي تحولت هي الأخرى إلى مواد استهلاكية حتى فقدت قيمتها ومعناها، فعندما يردد المتسلط عبارات مثل الشفافية والديمقراطية والمشاركة وفئات الشعب، و... و.... تتحول هي الأخرى إلى مادة ممجوجة تذكرنا بالحوار ذاته الذي دار بين أبناء إحدى "ثورات الربيع العربي" في تلك البلدة التي حوصرت حتى تحول أهلها إلى أشباح في ظلمة ليلة ممطرة، عندما تساءل شبابها المتواضعون في العلم والمعرفة: "ألا يحق لنا أن يكون لنا برلمان منتخب ونظام ديمقراطي كما الدول المجاورة، ضحك السامعون لهم القادمون من تلك الدول حتى سقطوا على ظهورهم، والشباب الحائرون ينظرون باستغراب شديد: من قال لكم إننا أصلاً نفهم معنى الحوار، وما هي هذه البرلمانات سوى تغطية لضعف وفساد ومظاهر خداعة، إن لم نعرف ماذا يعني الحوار بالممارسة الواقعية والصريحة وليس ببوس اللحى والمجالس الخاوية إلا من كثير من النفاق، إن لم نفهم معناه فسيكون مصيرنا كدولة الأندلس.* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية