في وقت سابق من هذا العام، قررت ألمانيا- على خلفية اعتراضات من قِبَل فرنسا والمملكة المتحدة- تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه على المملكة العربية السعودية، بما يعكس المخاوف بشأن مشروعية التدخل العسكري في اليمن والذي تقوده المملكة العربية السعودية. يسلط هذا النزاع الضوء على أوجه القصور التي لا تزال تبتلي سياسة تصدير الأسلحة الأوروبية من شِقاق وعجز، ويقوض الفشل في معالجة هذا النزاع الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتعزيز مكانته الدفاعية.

كانت مبادرات مثل صندوق الدفاع الأوروبي- الذي يسعى إلى تنسيق، وتكميل، وتضخيم الاستثمارات الدفاعية الوطنية- موضع ترحيب باعتبارها الحل الخارق لمشكلة القدرة الدفاعية في أوروبا، ولكن كما أشارت سفيرة فرنسا إلى ألمانيا آن ماري ديسكوت، فإذا كانت الحكومات الأوروبية راغبة حقا في تطوير المعدات العسكرية في إطار جهد مشترك، فلابد أن تكون قادرة على الاعتماد على شركائها لتصدير المكونات الضرورية، ويتطلب هذا مجموعة شفافة ويمكن التنبؤ بها من قواعد التصدير.

Ad

كما أوضحت، أنا والمؤلفة المشاركة بِث أوبنهايم، في بحثنا لمركز الإصلاح الأوروبي بعنوان "التسليح الكامل: التنازع حول نظام تصدير الأسلحة في أوروبا"، فإن صادرات الأسلحة من الممكن أن تعمل على تسهيل التعاون الدفاعي مع الحلفاء من خلال تحسين قابلية التشغيل البيني. وفي بعض الحالات، يمكن استخدامها أيضا لرفع القدرات الدفاعية للشركاء الاستراتيجيين، وتعزيز الجهود الرامية إلى مواجهة التحديات الأمنية ذات الأهمية العالمية، مثل القرصنة أو الإرهاب. وفي الداخل، تسمح الصادرات إلى بلدان ثالثة لشركات الدفاع الأوروبية بتحقيق أقصى قدر من الاستفادة من اقتصاديات الحجم الضخم، في حين تجبرها على إنتاج منتجات أكثر تنافسية، وكلما ازداد عدد البلدان المشاركة في هذه التبادلات بات التأثير أكبر.

لكن القيود المفروضة على التصدير أيضا يمكنها أن تؤدي دورا مهما، فكما يمكن لحظر الأسلحة أن يعمل على كبح جماح السلوك العدواني الذي تمارسه أي دولة من خلال حرمانها من الموارد العسكرية، من الممكن أن يعمل تقييد صادرات الأسلحة على ضبط سلوك الحكومات التي قد تستخدمها لارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان. ولكن لكي تلبي هذه القيود الغرض منها، يجب تطبيقها على نطاق واسع وبقدر كبير من الاتساق والشفافية، وعلى هذا فإن غياب سياسة متماسكة في التعامل مع صادرات الأسلحة يلحق الضرر بمصداقية الاتحاد الأوروبي كمشروع قائم على القيم.

من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي لديه بالفعل إطار عام يحكم صادرات الأسلحة. والواقع أن هذا الإطار، الذي يشمل ثمانية معايير لإصدار تراخيص تصدير الأسلحة- بما في ذلك احترام القانون الإنساني- يُعَد واحدا من أقوى الأطر على مستوى العالم، لكن القواعد لا تطبق حقا، وإذا كان للاتحاد الأوروبي أن يحظى بأي فرصة لإنشاء اتحاد دفاعي، فلابد أن تتغير هذه الحال.

يستلزم تحقيق النجاح أن تتغلب المؤسسات الأوروبية أولا على مقاومة شديدة، فالدفاع يعتبر مسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، ولهذا لا توجد إرادة سياسية بين البلدان الأعضاء للتنازل عن السيطرة على سياسات تصدير الأسلحة، ولنقل لصالح هيئة إشرافية فوق وطنية.

ما يزيد الأمور تعقيدا، أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يتعين عليها قبل أن تتخذ القرار بتقييد الصادرات إلى دولة بعينها أن تتفق على ما إذا كان القيام بذلك يتفق مع مصالحها. الحق أن القول هنا أسهل من الفعل، ففي حالة المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، خلص بعض قادة الاتحاد الأوروبي- وأبرزهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل- إلى أن مبيعات الأسلحة تعمل في نهاية المطاف على زعزعة الاستقرار. لكن آخرين، مثل وزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هانت، زعموا أن تسليح السعوديين يعزز قدرة دول الاتحاد الأوروبي على المساهمة في حل النزاع في اليمن.

بعيدا عن القادة السياسيين، أعربت منظمات المجتمع المدني عن قلقها من أن يؤدي نقل الصلاحيات إلى المفوضية الأوروبية، التي تكون إمكانية مساءلتها أمام الناخبين أقل عادة من الحكومات الوطنية، إلى الحد من الشفافية. ويخشى بعض المراقبين أن تكون أي سياسة لعموم الاتحاد الأوروبي قائمة بشكل طبيعي على القاسم المشترك الأدنى، مما يحد من تأثيرها.

حتى في هذه البيئة غير المواتية، من الممكن أن تتخذ مؤسسات الاتحاد الأوروبي خطوات لمواءمة سياسات تصدير الأسلحة، ويمكنها أن تخطط لإنفاق المزيد على البحث والتطوير، والعمل مع الحكومات الوطنية لرصد الثغرات في قدرات الاتحاد الأوروبي الدفاعية، ووضع قائمة بالمعدات العسكرية اللازمة. وبهذا، يُصبِح بوسع البلدان القادرة أن تتفق على تطوير تلك المعدات، في مقابل تمويل الاتحاد الأوروبي.

في الأمد البعيد، قد يؤدي هذا إلى اكتساب المفوضية المزيد من النفوذ على سياسات التصدير، ويمكنها آنئذ أن تحمل منتجي الأسلحة على تفضيل متطلبات التكنولوجيا الأوروبية على متطلبات العملاء الخارجيين والتكيف مع الدول التي تبيع لها الأسلحة، ولتعزيز الشرعية الديمقراطية، ينبغي للبرلمان الأوروبي أن يؤدي دورا أكبر في تحديد أي المشاريع يمكن تمويلها ولمن.

تستطيع المفوضية أن تعمل على زيادة نفوذها على التجارة في السلع المزدوجة الاستخدام لممارسة قدر أكبر من السيطرة على صادرات الأسلحة، وبوسع الاتحاد الأوروبي أيضا أن يعمل على توحيد صيغة التقرير السنوي بشأن تراخيص التصدير التي يتعين على الدول الأعضاء إصدارها، وفرض مواعيد نهائية أكثر صرامة، ومن شأن اجتماع لاستعراض النظراء أن يسمح للحكومات بتبادل الخبرات وتحديد أفضل الممارسات.

أخيرا، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يعمل على تشجيع الدول الأعضاء على تعزيز ضوابط الاستخدام النهائي المفروضة على الأسلحة المصدرة، وبوسعه أن يساهم في هذه العملية الباهظة التكلفة والمستهلكة للوقت والصعبة سياسيا من خلال إرسال فرق من الخبراء إلى الدول المستوردة. ولابد أن تخضع مثل هذه الأنشطة- وما ينطوي عليها من تبادل لبيانات حساسة- للتفاوض مسبقا، وأن تكون مدمجة في اتفاقيات التصدير.

من الواضح أن ضمان تطبيق قواعد تصدير الأسلحة على مستوى الاتحاد الأوروبي لن يكون بالمعركة السهلة، ولكن إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي جادة بشأن تعميق أواصر التعاون الدفاعي، ناهيك عن إنشاء اتحاد دفاعي، فيتحتم عليها أن تخوض هذه المعركة.

* صوفيا بيش

* كبيرة زملاء الأبحاث في مركز الإصلاح الأوروبي.

«بروجيكت سنديكيت، 2019»

بالاتفاق مع «الجريدة»