أسهم أو فتوى
ما حدث في موضوع الاكتتاب والفتاوى المصاحبة هو برهان بسيط على أن الاعتقاد بأن تسلم الأمور في الدولة لسلطة الدين هو فكرة غير صحيحة، بل لا تصلح أبدا في أي مجتمع متنوع ومختلف الاعتقادات والعقائد.
![علي محمود خاجه](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1587579369153174500/1587579386000/1280x960.jpg)
وعدم التفات الكثير من الناس اليوم وإقبالهم على الاكتتاب هو مؤشر جيد لمقياس الوعي بألا سلطان لأفراد يستخدمون الفتاوى الدينية على سلوكياتنا، وكلي أمل فعلا أن يكون هذا الوعي مستمراً، وأن تكون القدرة على التمييز هذه منهجاً وليس لمجرد أن الفتوى اليوم تتعارض مع مصلحة مادية للناس ممن أقبلوا على شراء الأسهم رغم الانتشار الواسع لفتوى التحريم، أما إن كان إقبال الناس على شراء الأسهم دافعه بأن المصلحة المادية تفوقت على الدينية فهو طبعا مؤشر أخلاقي خطير بأننا كمجتمع نكيّف الدين حسب مصالحنا، فمتى ما تعارض الدين مع المصلحة غلبت المصلحة، وهو ما لا أتمناه طبعا.هذا من جانب أما الجانب الآخر في موضوع فتاوى الاكتتاب مؤخرا فهي مسألة تعارض تلك الفتاوى ما بين تحريم وإباحة، وهي ليست المرة الأولى طبعا التي تتعارض فيها آراء أصحاب الفتاوى في مسألة أو قضية عامة، والمفارقة أن أصحاب الفتاوى المتعارضين اليوم هم من مذهب واحد، وكلامي هنا موجه إلى كل من يعتقد أننا اليوم يجب أن نولي الأمور في الكويت لسلطة الدين، وأفترض، لا سمح الله، أن يؤخذ بهذا الاعتقاد وتولت الأمور فعلا سلطة الدين على حد تعبير المطالبين بذلك، فكيف ستدار الأمور حينها؟ وعلى أي منهج؟ ومن الذي سيحدد حينها المباح من المحرم؟ إن كانت الفتاوى في المذهب الواحد بل داخل الاتجاه الديني الواحد داخل المذهب الديني تتعارض، فكيف ستسير الأمور، وعلى أي منهج تحديدا؟ ومن يحدد أن هذا الرأي هو المعتبر أم ذلك؟ وهل ستكون لدينا هيئة لكبار العلماء هي من تحدد إن كان الاكتتاب حلالاً أم حراماً، أو إن كان إنستغرام مباحاً أم ممنوعاً؟ أو إن كانت مؤسسة التأمينات غير جائزة أم جائزة؟ما حدث في موضوع الاكتتاب والفتاوى المصاحبة هو برهان بسيط على أن الاعتقاد بأن تسلم الأمور في الدولة لسلطة الدين هو فكرة غير صحيحة، بل لا تصلح أبدا في أي مجتمع متنوع ومختلف الاعتقادات والعقائد.