لم تحقق فضيحة روسيا هدفها، ولا التحقيق حول سؤال بسيط عن قدرة شخصٍ يدير جميع نشاطات إنفاذ القانون الفدرالي على إدارة نشاطات إنفاذ القانون الفدرالي! ثم انشغل الجميع بموضوع تورّط الرئيس الأميركي مع ممثلة إباحية، لكن أخذ مايكل كوهين الموضوع على عاتقه قبل أن يغيّر رأيه ويكذب أمام الكونغرس، فخسر بذلك احترام جميع الأميركيين من المعسكرَين. حتى أننا لم نستطع النيل من ترامب على خلفية آرائه السيئة بكرة القدم للمحترفين!إذا كنت تلاحظ نمطاً متكرراً في هذه الأحداث، فلا شك أنك اكتشفتَ سراً عظيماً مفاده أن الديمقراطيين ليسوا مولعين بترامب ويحبون التكلم عن الاتهامات الموجّهة ضده طوال الوقت! ما كان في السابق حدثاً خطيراً ونادراً (ثلاث حالات خلال قرنَين ونصف، جميعها لم ينجح) أصبح اليوم رداً اعتيادياً على أي تحرك فعلي أو وهمي، مزعوم أو مثبت، من جانب الرئيس الأميركي. من الواضح أن الأجواء محتدمة جداً في العاصمة واشنطن!
اليوم، يطرح عدد من المرشحين للرئاسة والصحافيين في "ذي أتلانتيك" و"نيويورك تايمز" معلومات تفيد بأن ترامب مذنب بجرائم كبرى ومخالفات كثيرة، لأن طرفاً ثالثاً (لم يسمع المحادثة المشبوهة أو يعلم بها خلال عمله) يزعم أن ترامب تفوّه بكلام على الهاتف يمكن اعتباره استغلالاً للسلطة الشرعية التي كسبها من منصبه لتسليط الضوء على احتمال أن يكون جو بايدن استغل سلطته الشرعية خدمةً لمصلحة ابنه هانتر.لا شيء يثبت أن ترامب عرض المساعدة على رئيس أوكرانيا لإجراء تحقيق حول نشاطات بايدن في ذلك البلد، لكن يبدو أن مجرّد الاشتباه بذلك كافٍ. في المقابل، ثمة أدلة واضحة على إقدام بايدن على هذه الخطوة بالذات لطرد نائب عام هدّد بإجراء تحقيق حول شركة أوكرانية للغاز الطبيعي كان هانتر يديرها. صرّح بايدن بكل ابتهاج أمام "مجلس العلاقات الخارجية" في السنة الماضية: (نظرتُ إليهم وقلتُ لهم: "سأغادر خلال ست ساعات. إذا لم يُطرَد النائب العام، لن تحصلوا على المال". ثم طُرِد طبعاً). تلقّت الحكومة الأوكرانية مليار دولار مقابل ما حصل. يصرّ بايدن وحلفاؤه على ربط إقالة فيكتور شوكين بفساده المعروف، ولا علاقة لتلك الحادثة بحسب قولهم بمبلغ الخمسين ألف دولار الذي كان هانتر يتلقاه شهرياً من شركة "بوريسما" القابضة مقابل معارفه الواسعة حتماً في قطاع التعدين الأوراسي.هذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تتقاطع فيها مصالح ابن بايدن مع جهود والده الدبلوماسية. بعدما رافق هانتر والده على متن طائرة نائب الرئيس في زيارة رسمية إلى الصين، كسب صفقة أسهم خاصة بقيمة مليار ونصف دولار. لا شك أنه فاز بها بفضل مهاراته المالية الاستثنائية!هل يريد الديمقراطيون الانغماس في هذه الدوامة من الشائعات اللامتناهية خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020؟ يبدو أنهم يسيرون في هذا الاتجاه فعلاً، مع أن فضيحة "أوكرانيا غيت" كما يسمّونها تتقاسم نقاطاً مشتركة مع "فضيحة" روسيا التي لم تكن فضيحة حقيقية. يتعلق أبرز عامل مشترك بارتداد تهمة التآمر مع قوة خارجية دوماً على خصوم ترامب.يجب ألا ننسى أيضاً أن "تحقيق مولر" انطلق في الأساس لأن عميلاً سابقاً في الاستخبارات الخارجية (تناقش البرلمان في بلده حول منع مرشّح للرئاسة من دخول الحدود) تلقى المال من مرشّحة منافِسة للرئاسة لفبركة نظرية عن حصول اجتماعات مريبة مع رجال أعمال وأساتذة "مرتبطين" أو لهم "علاقات" مع روسيا. لكنّ زوج تلك المرشّحة المنافِسة، وهو رئيس أميركي سابق، له "روابط" واسعة مع المصالح الروسية، منها التدخل العلني في الانتخابات الرئاسية الروسية عبر أموال الضرائب الأميركية خلال وجوده في البيت الأبيض، من دون أن ننسى التبرع بملايين الدولارات لمؤسسته من جانب أفراد وكيانات خاصة تعاملوا مع زوجته حين كانت وزيرة الخارجية الأميركية.نعيش اليوم في اقتصاد معولم تحكمه طبقة دولية من أغنى الأغنياء الذين "يرتبطون" بأغنياء آخرين على الساحة الدولية، ولا يكفون جميعاً عن إبرام الصفقات وإفساد المنظمات غير الحكومية والتكلم في "المنتديات" ودعم الحكومات بطريقة شبه رسمية. وراء عبارات "التواطؤ" و"استغلال السلطة" الشائعة راهناً، يكفي أن يكون الشخص جزءاً من هذه الطبقة كي يصبح غير مؤهل لتولي أي منصب عام. في النهاية، يبدو أننا نستطيع استخلاص درس مهم من الوضع القائم.* ماثيو والثر* «ذي ويك»
مقالات
«فضيحة» ترامب هذه المرة أوكرانية!
03-10-2019