هجوم على الإبداع!
الإبداع هو صنع شيء جديد عن طريق ربط عناصر موجودة مسبقاً بصورة جديدة، أو خلق عنصر جديد تماماً، ولا يقتصر الإبداع على الفنون فقط، فهو يشمل جميع المجالات، بما فيها الرياضة والكتابة وريادة الأعمال، بل حتى العلوم تحتاج إلى الخيال والتفكير الإبداعي كي تنمو وتصبح واقعاً. إن الإبداع في متناول الجميع، فجميعنا مبدع في مجالٍ ما وقادر على إضافة شيء جديد– وإن كان صغيراً- ولكن كثيراً ما يعوقنا الخوف من الفشل، فالورقة البيضاء قد تبدو مخيفة لنا، إذ نطالب أنفسنا بالكمال من أول محاولة، وهو أمر غير معقول، والإنتاج الإبداعي الذي نراه حولنا من فنون وموسيقى وتصميم قد أخذ سنوات طويلة من التدريب والعمل المستمر حتى يأتينا بتلك الصورة السلسة التي يخالها البعض وليدة اللحظة لشدة انسيابيتها. وإن وجود شغف وحرفة في حياة الإنسان ليزاولها بشكل مستمر لأمرٌ في غاية الأهمية، ومزاولته لشغفه باستمرار يبني شخصيته، فيزداد صبره وتركيزه ويقيه من وقت الفراغ القاتل، والذي يؤدي إلى الكثير من العواقب السيئة إذا ما ازدادت مساحته دون استغلال مفيد، فالإنسان وُجِد كي يكون منتجاً، وكما تقول الحكمة الألمانية: "عندما أرتاح فإنني أصدأ". وهي انعكاس صادق لثقافة ألمانيا المنتجة، ومع استمرارية المزاولة والتدريب فإن الإبداع سيولد لا محالة كنتيجة طبيعية. والإبداع ضرورة، إذ إن الإنسان بطبيعته يضجر من العمل الروتيني– وهو شر لابد منه في بعض الأحيان- وغالباً ما يود أن يصنع شيئاً مميزاً يشعره بوجوده القيّم في هذه الحياة، وكثيراً ما نشعر بالذبول ورمادية الحياة حين نجد أنفسنا عالقين في عملٍ رتيبٍ لا جديد فيه، فالتجدد سنة الحياة، وهنا قد تقبع فرصة جميلة للإبداع وبث الحياة في حيواتنا من جديد! إن المجتمعات المتقدمة تقدر الإبداع، فتخلق للمبدعين الفرص وتهيئ لهم البيئة الحاضنة، ومن المثير للاهتمام أننا نلاحظ الصدى الإيجابي لكلمة إبداع "creativity" لدى المتحدثين بالإنكليزية، في حين كثيراً ما تُستقبل كلمة "الإبداع" العربية بالسخرية والاستهزاء، بل بشيءٍ من اليأس. هنالك مجتمعات تقتل الإبداع عمداً، فهي تدرك تماماً أن المبدعين هم من يأتون بالتغيير الحقيقي للمجتمع، فنجد انتشار ثقافة المنع والتحريم فيها، وتخدير الناس عن طريق إغراقهم في الثقافة الاستهلاكية، وفي هذه المجتمعات بالذات يصبح الإبداع ضرورة، حتى مع انعدام التشجيع، بل كثرة الهجوم على المبدعين! وقد تكون القيود في الكثير من الأحيان سبباً في المزيد من الإبداع، فأروع الأعمال الأدبية والفنية كانت وليدة الألم وقسوة الظروف ودهاء المبدع في إيجاد حيلة لتجاوز مقص الرقابة. أملي كبير في جيل الشباب الكويتيين الحالي، فقد أتانا بموجة كبيرة من المبدعين بشتى أطيافهم– من فنانين وكتّاب وموسيقيين ومخرجين وغيرهم- ذوي مستوى متفوق إقليمياً، بل يصل إلى العالمية في الكثير من الأحيان. هم غالباً ما يمولون مبادراتهم بأنفسهم كي يبدعوا كما يشاؤون مع غياب الدعم الحقيقي من الجهات المختصة. نتمنى تسليط المزيد من الضوء عليهم ودعمهم الفعلي كي نصنع ثقافة حقيقية واقتصاداً إبداعياً مستداماً لنا وللأجيال القادمة.