قال تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي إن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تتعرض لهجمة شرسة، لا تتعلق فقط بإخلال غير قابل للإصلاح لتوازن صناديقها، بل لتغيير جوهري في هدفها وسياساتها سوف يُفضي حتماً إلى فقدانها لوظيفتها. فهي مؤسسة مصممة للتأمين الاجتماعي كما ينص عليه اسمها، وليس للإقراض الاجتماعي أو السياسي، وهو صلب الأزمة، والغرضان متناقضان إلى حد التصادم.

التأمين الاجتماعي يعني شبكة أمان مستقرة وموسّعة من أجل تأمين مستقبل من أفنى شبابه في العمل، بينما الإقراض الاجتماعي السياسي يخص أقلية بالاستفادة الآنية، بما يؤدي إلى خرق شبكة الأمان ويضيق بمساحتها لمنتسبي المستقبل.

Ad

وفي حين أن اختصاص التأمين الاجتماعي واختصاص جهازه الوظيفي هو الموازنة الدقيقة ما بين احتياجات كل الأجيال إلى ما لا نهاية، فإن اختصاص مؤسسات الإقراض محدود المدى ومراقب من جهات سيادية لارتفاع مستوى مخاطره، ولا يمكن أن يستمر ما لم يعمل على أسس تجارية.

وعندما يختلط الغرضان، سوف يطغى فيه غرض الإقراض نتيجة غياب الوعي من جانب، وضعف الحكومة من جانب آخر، وطُغيان التوجهات الشعبوية لدى بعض النواب من جهة ثالثة، حينها لن تعود المؤسسة مؤسسة تأمين اجتماعي، وسيفقد متقاعدو المستقبل أمانهم.

وإذا عدنا إلى الأرقام، فهي قاطعة بالدمار الذي تسببه تلك المقترحات الشعبوية، فبدونها ارتفع العجز الاكتواري 90% أو بنحو 8 مليارات دينار في ثلاث سنوات فقط ليبلغ نحو 17.4 مليارا، ومعها سوف يحدث الأسوأ مما لا يمكن تعويضه. وأي مهتم بوضع المالية العامة يعرف أن اللجوء إليها لتعويض العجز المتراكم غير ممكن، سوى بالبدء في تسييل أصول احتياطي الأجيال القادمة، أو بالاقتراض بتكلفة سـوف تبلغ 3 أضعاف عائد قروض التأمينات المقترحة شعبوياً على أقل تقدير، والتسييل أو الاقتراض مخرجان غير مستدامين رغم فداحة كلفتيهما.

وأي مهتم بمؤشرات الاقتصاد الكلي يعرف أن الاقتراض في الكويت يعني الاستهلاك في اقتصاد لا ينتج سلعاً أو خدمات، والقروض الاستهلاكية من المصارف ارتفعت بنحو 26.3% أو نحو 10 أضعاف ارتفاع إجمالي التسهيلات الائتمانية في الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي، لذلك هو تنشيط لاقتصادات خارجية منتجة وضغط على الدينار الكويتي وتوريط مؤكد للمقترض بعد انتهاء فترة صرف حصيلة القرض، أي أنه مسعى تخريب اقتصادي واجتماعي.

ولعل الأهم أننا في دولة لديها مصدر وحيد للدخل، تستهلك الرواتب والأجور والدعومات نحو 75% من كل نفقاتها، ونحو 80% من كل إيرادات النفط، وبينما يعمل في الحكومة حالياً نحو 340 ألف مواطن، وهناك نحو 28.3 ألف عاطل عن العمل، هناك نحو 420 ألف قادم إلى سوق العمل بحلول عام 2035، ونتاج الهجمة، لا مستقبل المتقاعدين في مأمن، ولا القادمون إلى سوق العمل سوف يجدونه.

والمُشكل هو أننا نعتقد أن هناك فريقا في الحكومة وفي مؤسساتها يعرف جيداً تلك الحقائق، ولكننا لا نرى موقفا له، والواقع أننا بتنا نقرأ عن احتمال تمرير الحكومة للمقترحات الشعبوية، ونرجو ألا يتكرر النصح الذي قدمه وزير النفط الأسبق عندما أقنع مجلس الوزراء بأن كوادر قطاع النفط لن تتحملها المالية العامة، وكانت كارثة على المالية العامة، فالتساهل في قروض التأمينات أمر مماثل، نتيجته تدمير للمؤسسة بالانحراف بهدفها بشكل خاص، وإخلال كبير بتوازن صناديقها وتوازن المالية العامة معها بشكل عام.