«تجارة النقل البحري في الكويت من خلال سيرة حمد عبدالله الصقر» (7-10)

تجارة حمد الصقر في دبي

جمعت حمد الصقر علاقة تجارية مع تجار كانوا يعملون في دبي، وهم المرحوم صالح المنصور أبا الخيل والمرحوم يعقوب بن يوسف المطوع، ومن بين الوثائق القليلة التي تدل على هذه العلاقة، رسالة موجهة من يعقوب بن يوسف المطوع من دبي إلى حمد الصقر في الكويت يخبره عن بعض الحوالات، ويطلب إليه إرسال تمور لأن السوق في دبي تحسن، وفيها ذكر لمحمد بن دلموك وعبدالرحمن المدفع.

تجارته في البحرين

تكشف الوثائق ذات التاريخ الأقدم في مجموعة وثائق أسرة الصقر عن ارتباط تجاري وثيق مع البحرين، خصوصا المراسلات التي كتبها المرحوم صقر عبدالله الصقر، لكن هذه الوثائق بحالة لا تسمح بعرضها بسبب تعرضها للتآكل من الأطراف، وتطلعنا وثائق فترة العشرينيات على استمرار العلاقة التجارية مع البحرين، فقد كان المرحوم حمد يتعامل مع المرحوم محمد عبدالعزيز العجاجي والمرحوم عبدالعزيز القصيبي والمرحوم يوسف بن أحمد كانو وجبر بن محمد المسلم وغيرهم، وتخبرنا وثيقتان عن قائمة السلع وأسعارها الخاصة بمحلاتهما والتي أرسلت الى المرحوم حمد؛ فالوثيقة الاولى من محل العجاجي تبين ارسال شحنة منوعة بتاريخ 24 أكتوبر 1927 والثانية من محل القصيبي بتاريخ 23 أكتوبر 1928م.

وفيهما تتضح أنواع من البضائع مثل الاقمشة الأميركية واليابانية، وكل منها يحمل ماركة بحسب التسمية المحلية مثل بونجمة وبوديرة وبوجناح وبورجال وبوجمل وبوطير بالإضافة الى الشماغات والغتر وبعض المنتجات الخاصة بالبحرين والاحساء والقطيف مثل تمور الاحساء كالخلاص والشبيبي والرزيز، وتمور القطيف مثل السلوق والخنيزي والابيض، كما يقدم محله معادن كالرصاص والنحاس الأصفر.

بالاضافة الى ذلك فان العجاجي يفرض 5 روبيات على كل 1000 روبية يقوم بتحويلها حوالة، ويبيع أيضا نوط الالف روبية بمبلغ أربع روبيات أم الذهب الافرنجي، فسعره 13 روبية و6 آنة، اما الذهب العثماني (الليرة التركية) فثمنه 11 روبية و14 آنة، والريال الفرنسي سعره 13 روبية.

وبالنسبة إلى التاجر يوسف بن أحمد كانو الذي كان تاجرا ذا صيت وسمعة طيبة في البحرين والخليج والهند فإنه لم يفوت فرصة التعامل مع حمد الصقر، وتظهر إحدى الوثائق مسألة في غاية الأهمية تحدث في عالم التجارة، وهي مسألة إفلاس التاجر والإجراءات المتبعة في هذه الحالة.

تذكر الوثيقة عدة اسماء منها حسين نعمة الذي أشهر إفلاسه، ويبدو انه كان من قطر، لأن الذي أمر بالتصرف ببضاعته لدى التجار الآخرين كان الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني، وكذلك الشيخ محمد علي زينل وحمدان بن رائد، ومن تجار اللؤلؤ في البحرين الذين تعاملوا مع حمد الصقر أيضا المرحوم جبر بن محمد المسلم.

التواصل مع البريطانيين

كانت بريطانيا تسيطر على خطوط التجارة بين الهند واليمن وأجزاء من القرن الإفريقي، وكان المقيمون والوكلاء السياسيون يتولون تسهيل شؤون التجارة، وهو أمر خدم الامبراطورية البريطانية، وعزز قوتها الاقتصادية، وأثمر أيضا عن نهضة اقتصادية في الخليج العربي وبحر العرب وساحل الهند الغربي، وتبين بعض الوثائق أن صقر الصقر الأخ الأكبر لحمد وشريكه كان يعمل على تسهيل عملية التوسع التجاري في الهند من خلال مخاطبة المسؤولين البريطانيين.

ارسل الوكيل البريطاني الكرنل آر إي إي هملتن، رسالة في 1 فبراير سنة 1917م الى مجموعة من تجار الكويت من بينهم صقر الصقر يستفسر فيها عن اقتراحاتهم بشأن طرق ووسائل توسيع التجارة، وعن أبرز معوقاتها، ويستفسر عن مدى الحاجة الى انشاء فرع لبنك، ولضخ اموال ورقية (أنواط) وقد رد عليه المرحوم صقر مباشرة شارحا له اوضاع التجارة في الكويت.

تربية حمد الصقر لأبنائه

لقد تبوأ أبناء المرحوم حمد عبدالله الصقر بعد وفاته مكانة مهمة في المجتمع، ولاحقا في الدولة وخصوصا عبدالله وعبدالعزيز وجاسم، حيث أسسوا العديد من المؤسسات، وشاركوا في قيادة المجتمع الكويتي نحو العصر الجديد، وعلى سبيل المثال تولى عبدالعزيز حمد الصقر عضوية أو إدارة أهم مؤسسات الكويت، فكان عضوا في المجلس البلدي ومجلس الإنشاء 1952-1955م، وعضوا مؤسسا لشركة الخطوط الجوية الكويتية، ونائبا لرئيس مجلس إدارتها 1954-1957م، ومؤسسا لشركة السينما الكويتية 1957-1960م، ورئيسا لغرفة تجارة وصناعة الكويت 1959-1996م، ورئيسا لمجلس إدارة بنك الكويت الوطني 1959-1965م، وعضوا في مجلس التنظيم الذي أنشأه الشيخ عبدالله السالم قبل الدستور سنة 1961-1962م، ورئيسا لمجلس ادارة شركة ناقلات النفط الكويتية 1961-1979م، وعضوا في المجلس التأسيسي 1962-1963م، وأول وزير للصحة العامة سنة 1962م، وأول رئيس لمجلس الأمة 1963-1965م، ورئيسا لجمعية الهلال الأحمر الكويتي 1965-1994م، بالإضافة إلى العديد من الغرف التجارية والصناعية الإقليمية والدولية.

لسنا بحاجة للمجادلة في أن النفوذ الواسع والثروة الكبيرة لدى هذه الأسرة أديا دورا في احتلال أبنائها مناصب مهمة كالتي مر ذكرها، ولكن تبقى حقيقة واضحة يجب الاعتراف بها، وهي ان تلك الثروة والنفوذ لا يكفيان للقيام بأعباء الادارة، لأن الموهبة والخبرة الإدارية وحسن التدبير وتوافر المهارات أمور لا مناص من التمتع بها لدى القيادي. وخصوصا أن أبناء حمد الصقر تولوا تلك المناصب في فترة تاريخية تعتبر الفترة الذهبية في تاريخ الكويت، حيث كانت مؤسسات الكويت هي الرائدة على المستوى الخليجي والعربي، وأثبتت نجاحا منقطع النظير وهو ما يدفعنا الى البحث عن الأسلوب التربوي الذي سلكه المرحوم حمد الصقر مع أبنائه، ليجعل منهم قياديين ناجحين في القطاعين العام والخاص، وما الذي توافر لديهم مما لم يكن متاحا لغيرهم.

من واقع حديث المرحوم عبدالعزيز حمد الصقر المولود سنة 1913م نتعرف على المجهود الكبير الذي بذله والده في توفير التعليم والتربية له ولإخوته، قام حمد الصقر بادخال أبنائه المدارس المحلية مثل مدرسة السيد هاشم الحنيان لمدة سنتين والمدرسة المباركية لمدة سنة والأحمدية لمدة سنتين.

ولم يكتف لابنائه بهذه المحصلة التعليمية، فأرسلهم الى بومبي بالهند ليدخلوا المدارس الانكليزية الراقية التي تتميز بإدارة حازمة وتعليم فائق، فيروي عبدالعزيز حمد الصقر أنه درس في مدرسة سنت ماري St. Marys School لمدة سنتين.

كما استأجر أبوه له هناك خدمات مدرسين خاصين من أجل مزيد من الدراسة لاختصار الفترة الزمنية وتجاوز المراحل التعليمية والانتهاء بشكل أسرع، بالاضافة الى ذلك استعان عبدالعزيز الصقر بخدمات مدرس خاص ليعلمه اللغة الكوجراتية الهندية لمدة سنتين اثناء فترته التدريبية في بوربندر، ويقول ان اكثر اللغة التي تعلمها جاءت من خلال الممارسة والتطبيق العملي.

عين المرحوم حمد الصقر مدرسا فلسطينيا في العشرينيات ليتعلم ابناؤه عبدالله وعبدالعزيز قواعد اللغة العربية، حيث كانوا يتلقون الدروس في الكويت في كشك الصقر، وكان اسم ذلك المعلم عبدالرؤوف النابلسي وكان المرحوم حمد الصقر راغبا في ارسال ابنه عبدالعزيز الى الجامعة الاميركية في بيروت ولكن الظروف لم تسمح بذلك.

وهذه وثيقة لطيفة تشهد على مرحلة التعليم والتدريب التي خاضها عبدالعزيز الصقر وهي تمرينات على كتابة الرسائل.

تدريب الأبناء على التجارة

عندما شعر حمد الصقر باكتفاء أبنائه من التعليم النظري واتقانهم اللغة الانكليزية والهندية الكوجراتية بدأ معهم مرحلة التدريب العملي على الشؤون التجارية، فابتعثهم مرة اخرى الى وكلائه التجاريين في الهند ليعملوا في مكاتبهم ومحلاتهم التجارية، وكلفهم بمراقبة كل ما يتعلق بحرفة البيع والشراء، والتقييد في الدفاتر، وكتابة الديون، وإصدار الفواتير وارسال المكاتبات وغيرها من مهارات ضرورية للتاجر.

فكانت اول بعثة تدريبية لعبدالعزيز الصقر في كراجي، حيث كان يعمل وكيل ابيه التجاري المرحوم ابراهيم عبدالله الفضل، وقد دامت هذه الدورة التدريبية عدة اشهر، وفي البعثة التدريبية الثانية التي بدأت بعد سنة من الانتهاء من الاولى أرسله ابوه الى بوربندر في كوجرات بالهند سنة 1927م عند وكيله التجاري المرحوم محمد السعد ليتمرن عنده كما ارسله ايضا الى ابني اخته بزة، محمد وثنيان ثنيان الغانم، اللذين كانا يتاجران في براول بكوجرات أيضا، وبعد ان اجتاز مرحلة التدريب والاختبارات استقر عبدالعزيز فترة في بوربندر وباشر أعمال تجارة التمور سنة 1928م، أما اخوه الأكبر عبدالله حمد الصقر فقد أرسله والده الى عدن في اليمن ليتلقى تدريبه العملي.

أما ابنه الثالث محمد فعلى الرغم من صغر سنه فإن والده حمد جعله يرافق أخاه عبدالعزيز في سفره وعمله بكراجي وهذا يظهر من خلال رسالة لحمد الصقر من البصرة الى ابنه محمد في كراجي يعلمه بوصول رسالته ويطلب اليه تقصي بعض الأسعار والكتابة اليه بذلك باستمرار، ولا شك أن حمد كان على علم بتلك الأمور من خلال وكلائه ولكنه كان يهدف الى تدريب ابنه على تلك المهارات.

التعليم النظري والعملي للأبناء

إن جمع أبناء حمد الصقر بين التعليم النظري والتدريب العملي مع إتقان اللغات الأجنبية واكتسابهم لمهارات اجتماعية وقدرة على التحمل والتأقلم مع بيئات عديدة- وكل ذلك في سن صغيرة- قد صقل مواهبهم، وجعل منهم ذوي مؤهلات عالية ونادرة الوجود إلى حد كبير في مجتمع الكويت، حيث لم تتح كل هذه الفرص لمعظم ابناء الكويت في فترة العشرينيات والثلاثينيات، باستثناء أبناء التجار والشيوخ والمقتدرين ماديا، وذوي العلاقات العامة العابرة للدولة، وهو ما أعطاهم الأفضلية والتفوق على اقرانهم.

ومن باب الاستطراد في مسألة اسباب تسلم ابناء التجار إدارة المؤسسات حديثة النشأة في دولة الكويت يمكن ان نضيف الى حقيقة تمتعهم بالمهارات، ان ابناء هذه الطبقة امتلكوا شبكة علاقات اجتماعية وتجارية وصداقات وطيدة مع شخصيات مؤثرة وكيانات سياسية من خارج الكويت، تم تطويرها منذ زمن طويل، ولعل هذه الشبكة غير متوافرة بهذه السعة لدى الدولة نفسها، لأنها حديثة التكوين المؤسسي.

وبتعبير آخر يمكن القول ان جزءا من كبيرا من شبكة علاقات دولة الكويت الحديثة بنيت على شبكة علاقات التجار الكويتيين، فميزة وجود العلاقات العامة كفلت نجاح مؤسسات دولة الكويت في الخمسينيات والستينيات، لأنها حظيت بثقة من هم بالخارج الذين كانوا على علاقة بقيادييها من التجار، ولذلك تمتعت بتسهيل المعاملات وتنفيذ الاتفاقيات وتحقيق التعاون على أكمل صورة.

الصقر ينصح ابن أخيه يوسف

في رسالة بعثها حمد الصقر إلى ابن اخيه يوسف بن صقر الصقر، الذي تولى حديثا مكتبا لتجارة الصقر في كاليكوت، نقرأ نصائح ثمينة في كيفية إدارة أعمال التجارة، فيخبره بضرورة اتخاذ كاتب متخصص ومتقن من اجل اعداد قوائم الحسابات وكتابة المراسلات، وينصح أيضا بعمل ميزانية تقديرية قبل الميزانية النهائية.

* جامعة الكويت قسم التاريخ