• تدور أحداث روايتك في أجواء الوسط الصحافي والثقافي، في البداية لماذا اخترت هذه الأجواء؟

- تعتبر الصحافة السلطة الرابعة والشريان الحقيقي لثقافة صحيحة أو معتلّة في جسد أي شعب، وحين تنغمس الأطراف الفاعلة في المشهد الثقافي بالزيف والخداع، فإن الانهيار القيمي والأخلاقي لذلك الشعب يكون أمرا محتما، وهذا ما نشهده في واقعنا العربي وفي مسابقاتنا الأدبية والفنية، وفي انهيار المنظومة التربوية والتلفزية في الوقت الذي تنال فيه البرامج التهريجية الجوفاء الكثير من الدعم الشعبي والإداري، لذلك حاولت تبيان قيمة هذه القنوات التي إذا صلحت صلح جسد الأمة، وإذا مرضت فإن التخلف والدمار والجريمة هما المصير المحتم.

Ad

تشكيل بورتريه

• الشخصيات مرسومة بدقة وعناية فائقة... كم استغرقت من الوقت لنحتها على الورق، وما هي أكثر الشخصيات صعوبة في رسمها؟

- حين تطلب من رسام يقضي زمنا قياسيا في تشكيل بورتريه بريشته، فإنه ما إن يتحول إلى سارد، فإن تلك الروح التي تعمل بدقة متناهية وصبر لا محالة ستكون واقعة تحت تأثير تلك الفرشاة التي يتمثلها في حروف يراعه، فالرسم لا ينتهي حين يرغب الرسام في بلوغ الكمال، لذلك فهو يتوقف حين يحس بدبيب الروح في كائناته الورقية التي هي في آخر المطاف ليست أشخاصا رسموا لذواتهم، بل رموزا تحت القاعدة السردية في النمذجة والتعميم المطلوبين في كل الأعمال السردية، ولكي يتحول الشخص الى شخصية، فتلك مسألة تتعلق بعلاقة الشخصية بالمتن الحكائي وعلاقة المتن ذاته بالمبنى نفسه، وبذلك يتحول الرمز الجامد الى دلالة حيّة فاعلة وحاملة لفلسفة ما لها علة غائية من وجودها ومآل تنتهي إليه كي يخمد الفعل الدرامي بعد أن يؤتي أُكُله المراد منه. وإن رسم الشخصيات يتفاوت صعوبة بتفاوت درجة التجريد في رمزية البطل المراد تصويره، فكلما كانت الشخصية أبعد عن الواقع المادي وحلقت نحو رمزية ما فهي تكون الأكثر صعوبة لدى الكاتب.

ومريم في الرواية مثال على ذلك، فهي ليست بشرا، وإنما لغة جديدة نثرية في مقابل لغة سائدة، إنها نازك الملائكة في مواجهة المتنبي الذي يظل العصر بظله منذ قرون، إنها الظاهرة الجديدة قصيدة النثر وصعوبة اندماجها في عالم قديم.

وإن اختيار الشخصيات هو شيء تابع للتيمة التي يريد المؤلف الخوض فيها، وتلك التيمة تستدعي فرسانها ومعركتها وتتطلب ميمنتها وميسرتها، وبذلك تتشكل رقعة الشطرنج ويكتمل النصاب تحت لواء فلسفة النص وما تتطلب من أدوات لتحريك اللعبة.

«الرسمتخيلية»

• وصف نقاد روايتك بالرسمتخيلية.. ما رأيك في هذا المصطلح، وهل ينطبق بالفعل على روايتك؟

- وصف الناقد د. حامد حجّي المختص في الأدب المقارن روايتي بأنها ميلاد الرواية الرسمتخييلية، وذلك في بعض الصحف الورقية المصرية والجزائرية، وكذلك وافقه في ذلك الناقد والروائي عبدالوهاب الملوّح، ولئن كان البعض يرجع ذلك لطبيعة التيمة الروائية التي تتمحور حول حياة الرسامين والروائيين والشعراء والصحافيين، لكنّ غالب الظن أن حجّي كان يرمي إلى طبيعة المتن الحكائي ذاته من حيث هو تفصيلي ودقيق الخبايا، وتصويري حيث يكون النص مرسوما لامكتوبا، فهو في طبيعته الوصفية للمادي والمعنوي يحاكي فلسفة المدرسة التأثيرية في جعل المشهد متحركا في جموده فوق اللوحة، ونظير ذلك في السّرد الذي يحاكي الشكل واللون، فيكون للكلمات جسد مصوّر بعناية، ولهذا الجسد روح تصدح بالتعبيرات التي تجعله رسما متخيّلا بالكلمات عن طريق لغة الشعر التي هي موطن نشأتي الأولى التي لا فكاك من هيمنتها وحضورها في كتاباتي، حتى أنني أفردت سنة كاملة لتجويد اللغة. ليس من باب جمالياتها البلاغية فحسب، وإنما من حيث رفعة الدلالة فالتعبيرية وكثافتها تتجاوز انتقاء العلامة اللغوية كمادة مجردة للزخرف القولي الأجوف، وبذلك يرتفع التمازج الشكلي بين الفنون الرسم متحولا الى نثر عن طريق القريض الى حقيقة ملموسة في نص روائي.

الاستعمال الاستعاري

• الرواية رحلة عبر دروب الفن، والثقافة، والتاريخ: ماذا تقصد بعنوان "الدجال"، وهل ما عشناه في الماضي زيفا وخداعا؟

- للسائل أن يسأل ما علاقة الدجّل بنص روائي تيمته وكل محركاته الدلالية من عالم الفن والأدب والصحافة. والجواب أن الاستعمال الاستعاري للعتبة الأولى يعكس طبيعة استعارية كاملة لمجمل مجريات الانزياح في النص الذي يخاتل ولا يقول الأشياء مباشرة، فالإنسان كما يقال في الفلسفة هو حيوان رامز.

فقد قمت بتجريد معنى الكلمة المتداول وأفرغته من شحنته القديمة وهو ليس مشعوذا محتالا، فهل هو المثقف المزيف الذي تحدث عنه سارتر أم كلاب الحراسة كما يسميهم بول نيزان، وربما هو المؤلف نفسه الذي من مهمته أن يوهمنا بالحقيقة السردية الورقية باعتبارها حقيقة خالصة؟ فمجال التأويل مفتوح في دجل مختلف عما دأب الخلق على معرفته.

المخيال الأدبي

• "الدجال" رواية شاعرية بامتياز، وتحلّق فى عالم خيالي يتماشى مع الواقع، ولكن هل من حدود بين الخيال والواقع.. الرواية والشعر؟

- لغة الرواية مادّتها الأولى ذاكرتي الشعرية التي يشير اليها "باشلار " في مؤلفه شاعرية أحلام اليقظة، والتي تنهل من منابع الذاكرة الطفولية للروح، وافتتاني بالكلمات حتى صارت الكلمة هي مسكن الوجود حسب تعبير "هيدغر"، فهي غاية في حدّ ذاتها وليست مجرّد وسيلة للتعبير، فلا شيء خارج اللغة، كما يقول "رلون بارت".

فالعالم المتخيل لا يمتّ إلى العالم الواقعي بصلة كبيرة، إذ إن الانسان هو مقياس كل شيء بما يصوره له وعيه الفردي أو الجمعي، فلا حقيقة للنص ولا للواقع إلا من حيث هو مقروء من متلقّ يستوعبه حسب مقدرته ويتفاعل معه حسب خلفيته الثقافية.

غياب الثقافة

•هل ترى أن الواقع المعيش فاق خيال الشعراء، والأدباء؟

- في واقع عربي يخلقه ويؤسسه الفكر المحوري الغربي، وفي ظل غياب الثقافة المحلية الأصيلة وتدهور علاقة الكائن العربي باللغة والتاريخ والسياسة واغترابه عن جذوره، فإن الأديب بصفته مستشرفا وقارئا للواقع قد صار يخبط في عمى واقع ليس له يد في بلورته، وقد يقصر خياله الحالم عن التكهن به، فكل ما يحف به من دمار وحروب وانهيار قيمي شيء يفوق المخيال الأدبي.

معرض تشكيلي

• حدثنا عن آخر المعارض التي أقمتها، وماذا عن معارضك القادمة؟

- آخر معرض تشكيلي شاركت فيه هو معرض جماعي في نزل دار جربة بجزيرة جربة بالجنوب التونسي، وقد تنوعت الرسومات بتنوع الرسامين التجريديين والطبيعيين والمختصين في الأغراض التراثية التي تبيّن ثراء المخزون الثقافي بالجزيرة، وقد تقرر القيام بمجموعة من المعارض المتنقلة بين نزل وفنادق الجزيرة التي تحتوي على قاعات عروض مجهّزة. تستقطب السياح، كما تستقطب المهتمين داخل تونس.

مجموعة قصصية جديدة

قال الصليعي إنه يستعد لإصدار مجموعة قصصية جديدة بعد مجموعته السابقة "أقوام الضفة الأخرى"، تتعلق بالقصة الومضة، والتي يعبّر عنها بالقصة القصيرة جدا، وهي من الفنون الحديثة التي تلقى صدى في العالم بأسره، لما فيها من الاختزال والدلالة الصارمة في التعبير عن المعنى وتنطيقه، في زمن لا تميل فيه الذائقة الجماعية الى المطولات من الأعمال السّردية.