صوت الناخبون في كوسوفو، أمس، لاختيار نوابهم بينما تتعرض بريشتينا لضغوط دولية شديدة من أجل تسوية النزاع مع صربيا الذي يشكل إحدى بؤر الاضطراب الكبرى في أوروبا.

وبعد عقدين على انتهاء آخر الحروب التي أدت إلى تفكك يوغوسلافيا، لا تزال بلغراد ترفض الاعتراف بالاستقلال الذي أعلنه أحادياً إقليمها السابق الذي يشكل الألبان المسلمون أغلبية سكانه.

Ad

وتمنع صربيا وحلفاؤها وفي طليعتهم روسيا والصين، كوسوفو من شغل مقعد في الأمم المتحدة.

كما أن العلاقات المتردية بين بلغراد وبريشتينا التي يتخللها من حين لآخر تصاعد في التوتر، تشكل عقبة كبرى في وجه تقرب صربيا من الاتحاد الأوروبي الذي تتفاوض للانضمام إليه.

غير أن أياً من ذلك لا يشكل أولوية بنظر القسم الأكبر من سكان كوسوفو البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة. وقال التاجر صالح مهنا (39 عاماً) «سئمت مسألة الحوار تلك»، ملخصاً بذلك رأي شعب أنهكه الفقر والفساد والمحسوبية ووضع البنى التحتية والخدمات العامة الكارثي.

وهذا الاستياء قد يدفع الناخبين إلى إقصاء «أحزاب الحرب» بزعامة قادة الانفصاليين السابقين الذين يحكمون كوسوفو منذ إعلان الاستقلال.

في انتخابات 2018، تغاضى قادة الحرب السابقون عن خلافاتهم ليحتفظوا بالسلطة، ولو بفارق ضئيل. لكن هذه المرة يخوض حزب «كوسوفو الديمقراطي» بزعامة الرئيس هاشم تاجي و»التحالف من أجل مستقبل كوسوفو» بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته راموش هاراديناي الانتخابات منقسمين.

ولم يصدر أي استطلاع للرأي ذي مصداقية، غير أن المحللين يرون أن ائتلاف بين «رابطة كوسوفو الديموقراطية» (يمين الوسط) وحزب الاستقلال (فيتيفيندوسي) اليساري القومي، يمكن أن يتمكن من طرد قادة الحرب السابقين من السلطة.

والنقطة المشتركة الرئيسية بين زعيمي الحزبين فيوسا عثماني التي تأمل أن تصبح أول امرأة رئيسة للوزراء في كوسوفو، وألبين كورتي الزعيم الطلابي السابق الذي سجنه الصرب، هي عداؤهما لهؤلاء «القادة»، وهو ما قد يكفي لإقناعهما بتوحيد الصفّ.

وقال منتور نيماني «47 عاماً» وهو في طريقه للتصوت في بريشتينا «نحن بحاجة إلى حرية وإلى دولة قانون وازدهار وتنمية اقتصادية».

وأيا كان الفريق القيادي المقبل وأولويات سكان كوسوفو، يقول أستاذ العلوم السياسية نجم الدين سباهي، إن «مسألة الحوار ستكون حاسمة في تشكيل الحكومة المقبلة» لأن «الأسرة الدولية لن تعطي موافقتها على حكومة لا تجعل منها أولوية».

وقبل الانتخابات رسم الأميركيون والأوروبيون خريطة طريقهم في بيان مشترك نص على «استئناف المحادثات مع صربيا بشكل عاجل بهدف التوصل إلى اتفاق سياسي كامل يكون ملزماً قانونياً ويساهم في استقرار المنطقة».

وكان الغربيون نددوا بقرار هاراديناي فرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على البضائع المستوردة من صربيا، وتشترط بلغراد إلغاء هذه الرسوم لاستئناف المفاوضات المتعثرة منذ نحو عامين.

وباستثناء هاراديناي الذي يأمل في جني ثمار خطه المتصلب، يبدو المرشحون الرئيسيون على استعداد للتخلي عن هذا الحاجز الجمركي الذي انتقده رأس قائمة مرشحي حزب كوسوفو الديموقراطي قادري فيسيلي، معتبراً أنه أقرب إلى «عمل انفعالي لهواة».

وفي المعسكر المواجه، يؤكد كلا فيوسا عثماني وألبين كورتي عزمهما على استئناف الحوار، ويعمل كورتي على محو صورته كسياسي متشدد.

وقال المحلل نجم الدين سباهو، إن «مصير الرسوم الجمركية محسوم» مؤكداً أن «تعليقها سيكون من أولى قرارات الحكومة الجديدة».

ومن الموضوعات الأكثر حساسية التي ستواجهها الإدارة الجديدة مسألة التنظيم الإداري والمؤسساتي للمناطق التي يقيم فيها صرب كوسوفو، وعددهم حوالي 40 ألفاً في الشمال و80 ألفاً في حوالي عشرة جيوب، وهم سينتخبون عشرة نواب.

وفرضت عليهم بريشتينا لأول مرة إبراز وثائق من كوسوفو، ما قد يثير توتراً. كما حظر دخول مسؤولين من صربيا إلى كوسوفو خلال فترة الحملة الانتخابية.

ودعا الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش إلى التصويت لـ«القائمة الصربية» (صربسكا ليستا)، أكبر قوة سياسية بين صرب كوسوفو منبثقة عن حزبه، فيما يندد معارضو هذه القائمة بأجواء من الترهيب.