بينما تمضي مصر قُدما في تصعيد خلافها مع إثيوبيا حول سد النهضة، بدا خلاف أساسي بينها وبين السودان الذي أعلن رفضه توجّه القاهرة لإشراك وسيط دولي. وعقب فشل مفاوضات الخرطوم حول تسوية الأزمة، تعهّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن تبقى مصر ملتزمة بحماية حقوقها المائية في نهر النيل، واتخاذ كل ما يلزم لضمان ذلك. وقال في تغريدتين نشرهما مساء أمس الأول: "تابعت عن كثب نتائج الاجتماع الثلاثي لوزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الإثيوبي، والذي لم ينتج عنه أي تطور إيجابي، وأؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل".
وأضاف: مصر مستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي، وفي إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق، متعهدا بأن يظل "النيل الخالد يجري بقوة رابطا الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا".ورحبت الرئاسة المصرية بالبيان الأميركي الذي صدر حول الأزمة، رغم أنه سعى إلى إرضاء إثيوبيا بتأكيده حق التنمية وإرضاء الجانبين المصري والسوداني بإشارته إلى الحقوق المائية، وقال المتحدث الرئاسي إن القاهرة تتطلع لقيام الولايات المتحدة بدور فعال، معتبرا أن عدم تحقيق أي تقدم "يعكس الحاجة إلى دور دولي فعال لتجاوز التعثّر الحالي في المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن". وعلى النقيض من الموقف المصري، أبدى السودان رفضه التدخل الدولي، بل وذهب وزير الري السوداني ياسر عباس إلى التقليل من حجم الخلاف مع الجانب الإثيوبي، متحدثاً عن وجود تقدّم بسبب اقتراح جديد قدّمته إثيوبيا في اجتماع الخرطوم.وقال عباس - في تصريحات صحافية - إن الاقتراح ينص على ملء السد وتخزينه خلال فترة من 4 إلى 7 سنوات "تم الاتفاق على كثير من النقاط، وهناك بعض الخلافات ستتم مناقشتها في اجتماعات اللجنة البعثية بين الدول الثلاث، ولأول مرة يتم تداول أرقام حول عدد السنوات والشهور بشأن كيفية ملء وتخزين سد النهضة منذ بدء المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، وهو ما يعتبر تقدما في مفاوضات الخرطوم".وأكد الوزير السوداني رفض بلاده دعوة مصر إلى إشراك وسيط دولي في المفاوضات.وتطابق الموقف الذي أعلنه وزير الري السوداني مع التصريحات الإثيوبية بعد الاجتماع، حيث نفى وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سلشي بقل، وصول المباحثات إلى طريق مسدود، معبراً عن دهشته من الموقف المصري ومطالبه، ومشددا على أن بلاده ترفض الوساطة من أي جهة. من جانبه، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أن حكومته تعزز جهودها لإنجاح الحوار الثلاثي، كما تتوقع التزاما مماثلا من بلدَي المصب مصر والسودان. وقال الخبير في الشؤون الإفريقية حمدي عبدالرحمن لـ "الجريدة" إن إثيوبيا تتعامل مع النيل الأزرق وكأنه نهر إثيوبي وليس نهر دولي، وهذا هو سر المراوغة والخداع الاستراتيجي الذي تمارسه إثيوبيا منذ البداية، مشددا على أنه يمكن تسوية الخلاف عن طريق إجراءات بناء الثقة والحلول الوسط للاتفاق على السياسات التشغيلية للسد ومدة ملء الخزان، بما لا يلحق الضرر بمصر، حيث إن هناك مخاطر تتوقف على إمدادات المياه المصرية وإنتاج الطاقة الكهرومائية على التخزين الأولي في بحيرة ناصر عند بدء الملء، والظروف الهيدرولوجية التي تحدث أثناء فترة الملء، والتدفق السنوي المتفق عليه من سد النهضة والسياسات التشغيلية للسد العالي وجميع الخزانات الموجودة في دول المنبع، حيث يمكن إدارة هذه المخاطر من خلال تدفقات سنوية مختلفة متفق عليها، شريطة التزام إثيوبيا بإطلاق تدفقات مياه إضافية عندما يقل ارتفاع مستوى المياه عند السد العالي، ويسمح السودان لهذه المياه بالمرور إلى مصر.في سياق آخر، حذر الرئيس عبدالفتاح السيسي من مؤامرات خارجية تتعرض لها مصر على مر الزمان تستهدف وحدة الشعب المصري وعلاقته بجيشه الوطني. وقال السيسي في كلمة متلفزة بمناسبة الذكري الـ 46 لانتصارات حزب أكتوبر عام 1973، إن مصر تتعرض لـ "أمواج عاتية" تأتي دائماً من الخارج، وشدد على أنها تتحطم أمام صلابة وتماسك الشعب المصري، الذي يرتبط بأرضه وجيشه من أجل الحفاظ علي الأرض وحماية الشعب وصون الكرامة الوطنية. وخلا الخطاب من وعود كانت متوقعة بتخفيف معاناة الفقراء والإصلاح السياسي، لكنه ألمح إلى الأزمة الأخيرة وإلى ثقته باستمرار شعبيته قائلا إنه "في تلك الحرب التي تعتمد على الخداع والأكاذيب والشائعات يكون النصر فيها معقوداً على وعي كل مواطن وعلى مفاهيمه وأفكاره ومعتقداته، ولذلك فإنني على ثقة كاملة بالنصر في تلك الحرب، ليقيني التام بأن الشعب المصري بأغلبيته الكاسحة يدرك بقلبه السليم الصدق من الافتراء، وأن هذا الشعب الأصيل سئم الخداع والمخادعين وكثرة الافتراء على وطنه بالباطل".
دوليات
أزمة «النهضة» تتعقّد... ومصر ملتزمة بحماية حقوقها
07-10-2019