غداة دخول المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على خط تظاهرات العراق، واعتباره أن ما جرى مجرد مؤامرة للتفريق بين بغداد وطهران، باءت بالفشل، أعلن قائد الوحدات الخاصة التابعة لقوى الأمن الداخلي الإيراني، العميد حسن كرمي، إرسال قوة مكونة من 7500 عنصر إلى العراق، لحماية "مراسم أربعين الحسين" التي تجرى هذا العام في 17 أكتوبر الجاري، ويتم إحياؤها عند ضريح الحسين بن علي في كربلاء.

ومن شأن إرسال قوات إيرانية إلى العراق في هذه الظروف إثارة مزيد من التوتر وتغذية مشاعر العداء، خصوصا أن بعض التظاهرات المطلبية والاجتماعية التي خرجت في العراق الاسبوع الماضي وسقط خلالها 120 قتيلاً، رددت شعارات مناهضة للنفوذ الإيراني في العراق، واتهم ناشطون قوات إيرانية وميليشيات عراقية موالية لطهران بقمع المتظاهرين وقتلهم، في وقت تقول الحكومة العراقية، إن قناصين مجهولين يقفون وراء إطلاق النار.

Ad

في السياق ذاته، أعلن قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي أن "مسيرات زيارة أربعين الإمام الحسين، ومشاركة السيل العظيم من الزوار فيها، تحمل رسالة قاصمة للمثلث العبري- العربي- الغربي".

وأثارت مشكلة إرسال الزوار الإيرانيين إلى العراق خلافاً بين الحكومة الإيرانية التي آثرت الحذر وانتظار تطورات الموقف في العراق، والحرس الثوري الذي دفع باتجاه المضي بحركة الزوار كما هي من دون أي تعديل.

ورغم هذا الخلاف، وتباين بين موقفي الحكومة الوسطية والمتشددين حول التظاهرات لم تعد طهران تخفي امتعاضها من التظاهرات العراقية.

ورأى رئيس السلطة القضائية في إيران ابراهيم رئيسي، وهو محسوب على التيار الاصولي، أن التظاهرات مجرد "فتن للتأثير على حدث الأربعين العظيم". أما صحيفة "كيهان" المحافظة فقد قالت إن "الأدلة تشير إلى أن الأميركيين والسعوديين والإسرائيليين متورطون في الاضطرابات". في المقابل، اتخذت الحكومة خطا أكثر وسطية، وقال المتحدث باسمها علي ربيعي: "الشعب العراقي العظيم مدعو إلى ممارسة المزيد من ضبط النفس والبحث عن حلول ديمقراطية وقانونية لتلبية مطالبه".

وعلمت "الجريدة" أن ممثلي الحكومة ونظرائهم من الحرس الثوري تبادلوا اتهامات لاذعة يومي السبت والجمعة حول الحراك العراقي خلال اجتماعين للمجلس الأعلى للأمن القومي. واتهم مندوبو الحكومة في الجلستين اللواء قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" الذراع الخارجية للحرس الثوري باتباع سياسات في العراق ولبنان وغيرها تنفر العرب من إيران.

«الخضراء» والإنترنت

في هذه الأثناء، أعادت السلطات العراقية، أمس، فتح "المنطقة الخضراء" وسط بغداد "بعد استقرار الأوضاع وعودة الحياة إلى طبيعتها". وقالت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إن "الخطوة جاءت بعد نجاح المفاوضات بين مكتب رئيس الوزراء والمتظاهرين، والشروع بتلبية المطالب المشروعة بتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء، وبعد تحركات مثمرة من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي واللجان النيابية، في حين أثمرت كلمة رئيس الجمهورية برهم صالح عن المزيد من التهدئة".

كذلك أعادت السلطات شبكة الانترنت الى العمل بعد حجبها منذ انطلاق التظاهرات الثلاثاء قبل الماضي، مما أثار انتقادات حقوقية واسعة.

البرلمان ومدينة الصدر

وبعد لقاء بين عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أمس، حول آليات تنفيذ الحزمة الاولى من الاصلاحات، التي أعلنتها الحكومة تلبية لمطالب المتظاهرين، أوصت اللجنة النيابية المشكلة بهذا الشأن باعتبار ضحايا التظاهرات شهداء وتعويض الجرحى بإطلاق منحة مالية دورية للعاطلين عن العمل من الخريجين وغيرهم.

وبينما اجتمع عبدالمهدي مع رؤساء العشائر، صوت مجلس النواب، الذي عقد جلسة عادية أمس بحضور 212 نائبا من اصل 329، "من حيث المبدأ"، لمصلحة قرار بإنهاء اعمال مجالس المحافظات.

وغداة اشتباك في مدينة الصدر، معقل التيار الصدري، بين قوات أمنية تردد أنها اعتدت على متظاهرين ومقاتلين من "سرايا السلام" الموالية لرجل الدين النافذ مقتدى الصدر، قتل أمس رجل أمن، وجرح 4 بينهم ضابطان، بإطلاق نار قرب ساحة المظفر بمدينة الصدر. وقالت قيادة العمليات المشتركة للقوات العراقية في بيان لها، إن القوة المستهدفة "لم ترد على النار بالمثل منعا للتصعيد".

عبدالمهدي

ونقل عن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي قوله في رد على سؤال عن هوية المندسين، إن "عديد كل المتظاهرين هو 25 ألف شخص، 90 في المئة منهم عفويون ومطالبهم مشروعة، والقليل بينهم ممن له مصالح تآمرية، ولا ازكي كل القوات الأمنية فهناك نسبة بينهم يمكن وصفها بالمندسين يعملون ضد النظام السياسي، وهناك طرف ثالث خارجي يتآمر على العراق".

صالح

وفي خطاب متلفز وجهه الى العراقيين، استنكر الرئيس العراقي مواجهة المتظاهرين بالعنف المفرط والرصاص الحي وترويع مؤسسات إعلامية، وأطلق مبادرة لحل للأزمة.

وشدد صالح على أن "الحكومة وقيادات الأجهزة الأمنية تؤكد عدم وجود أوامر بإطلاق الرصاص" على المتظاهرين، مشدداً على أن "العنف المفرط والاستهداف بالرصاص الحي لم يأتيا بقرار من الدولة وأجهزتها ومن يقوم به هم خارجون عن القانون".

وإذ أكد أن "الاحتجاجات جاءت على خلفية البؤس والمظالم والشعور العام بحاجة البلد الى الإصلاح"، طرح صالح مبادرة من 9 نقاط، منها فتح تحقيق قضائي بمسببات العنف ومحاسبة المسؤولين عن إراقة الدم، وتشكيل لجنة خبراء مستقلين لمواجهة الفساد استجابة لدعوة المرجعية الدينية، وفتح حوار سياسي شامل وصريح وبنّاء لتشكيل كتلة وطنية نيابية ساندة وداعمة لخطوات الإصلاح، وإجراء تعديل وزاري جوهري لتحسين الأداء الحكومي.

كما اقترح صالح إعادة النظر في القانون الانتخابي لمجلس النواب والمباشرة بفتح حوار وطني.

«الصدري»

وفي ظل استمرار حالة الصمت والارتباك التي سادت صفوف التيار الصدري بعد دعوة مقتدى الصدر الى استقالة الحكومة وتعليق عضوية كتلة "سائرون" في البرلمان، قال القيادي في التيار الصدري النائب ووزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق نصار الربيعي أمس، إن "الحفاظ على النظام السياسي القائم هو مطلب مجمع عليه من كل القوى الفاعلة"، مضيفا أن "إجراء تغيير جزئي أو كلي في الحكومة ومحاسبة الفاسدين ضرورة في الأيام القادمة، وإذا لم يتم ذلك فنحن سنبقى نطالب باستقالة الحكومة".

البارزاني وعلاوي

في غضون ذلك، أعلن زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني ورئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي "دعمهما ومساندتهما الكاملة للحكومة الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي"، ورفضهما "أي تغييرات سياسية خارج الإطار الدستوري والآليات الديمقراطية".