مع اقتراب ساعة الصفر، أعلنت وزارة الدفاع التركية أمس، استكمال جميع التحضيرات لتنفيذ عمليتها العسكرية الثالثة في سورية، وسط إشارات متناقضة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب سمح في أولها بالهجوم على الأكراد، قبل أن يعدل موقفه تحت ضغط التنديد الدولي وانتقادات داخل معسكره الجمهوري، ويهدد نظيره التركي رجب طيب إردوغان بتدمير اقتصاده، إذا قام بأي أمر يعتبره غير مناسب.

وفي إطار الاستعدادات للعملية، التي قوبلت بانتقادات شديدة من أكبر أحزاب المعارضة «الشعب الجمهوري» و»الشعوب الديمقراطي» ذي الأغلبية الكردية، تقدمت الرئاسة التركية بمذكرة إلى البرلمان لتمديد صلاحية تنفيذ عمليات عسكرية خارج الحدود. وشددت وزارة الدفاع على أنها لن تتسامح إطلاقاً مع إنشاء ممر إرهابي على حدود تركيا، وأرسلت تعزيزات إلى وحداتها تشمل 10 شاحنات محملة بالدبابات، إضافة إلى رتل مؤلف من 80 مدرعة.

Ad

ووفق مصدر في فصائل المعارضة فإن دفعة أولى من 8 آلاف مقاتل سوري، إضافة إلى جنود أتراك معززين بمئات الآليات والدبابات عبروا إلى جرابلس بريف حلب، وينتظرون ساعة الصفر لمواجهة قوات سورية الديمقراطية (قسد) في منبج.

وبعد ساعات من الانسحاب الأميركي، تحدثت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن قصف الطائرات والمدفعية التركية ليل الاثنين- الثلاثاء مواقع للوحدات الكردية في تل طويل وقرية خامدة ومعبر سيمالكا بالحسكة، مما تسبب في أضرار مادية كبيرة دون البشرية بسبب إخلاء الكثير منها.

ووفق مسؤولين تركيين، فإن الضربات الجوية استهدفت الحدود السورية- العراقية لقطع خطوط الإمداد عن الوحدات الكردية ومنعها من استخدام الطريق لتعزيز قواتها.

ومع تحذير المجتمع الدولي من عواقب الهجوم، أحدثت المواقف المتناقضة لترامب التباساً دفع زعيم الأغلبيّة الجمهوريّة بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل للتحذير من أن الانسحاب «المتسرّع» في مصلحة روسيا وإيران.

وردّ نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي على تهديد ترامب بأن «تركيا ليست دولة تتحرّك بناء على التهديدات»، مضيفا: «مثلما شدد رئيسنا على الدوام، ستحدد تركيا دائماً مسارها وستتصرف بنفسها».

وبحسب مسؤول أميركي، فإنّ ترامب حينَ فهم من إردوغان أنّه ينوي اجتياح شرق الفرات أعطى الأولويّة لحماية ما بين 50 و100 من القوّات الخاصّة الأميركية خوفاً من تعرضهم للخطر، وليس السماح بمهاجمة الأكراد.

تحرك كردي

وبينما عمدت الوحدات الكردية إلى حفر دشم وأنفاق في رأس العين وتل أبيض وقرب كوباني، أعلن قائد «قسد» مظلوم كوباني، أنه قواته تدرس خياراً لم تكن تفكر فيه قبل سنوات، وهو التحالف مع الرئيس بشار الأسد، وإجراء محادثات مع روسيا، داعياً الشعب الأميركي للضغط على ترامب لمساعدة حلفائهم.

ولاحقاً، أكد القيادي في «قسد» بدران جيا كرد أن الإدارة الذاتية ربما تعقد اجتماعات واتصالات مع دمشق وموسكو لملء أي فراغ أمني إذا انسحبت القوات الأميركية بالكامل، مؤكداً أنها ستضطر حتماً لبحث كل الخيارات المتاحة للتصدي للهجوم التركي.

وفي أربيل، طلب رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني من وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ممارسة دوره والعمل مع الرئيسين السوري والتركي لتهدئة الحالة، لكي لا تتصاعد الأمور مما يؤدي إلى تشريد الأكراد، محذراً من أن أي تغيير في الميزان العسكري سيمهد لعودة «داعش» والإرهاب.

وغداة استقباله لافروف، عبر الرئيس السابق مسعود البارزاني عن قلقه من التطورات، مؤكداً أنه على اتصال بالعديد من القنوات وسيبذل قصارى جهده لضمان عدم تعرض أكراد سورية لأي كوارث أخرى.

ودعا البارزاني روسيا للعب دورها لمنع تعميق آلام أكراد سورية بسبب أي أحداث أو تغييرات، وطلب من لافروف استخدام نفوذه لمنعهم من الفرار من المنطقة.

موقف دمشق

وفي أول تعليق من دمشق على تخلي ترامب عن الأكراد، اعتبر نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، أن «كل من لا يخلص للوطن ويبيعه بأرخص الأسعار سيجد أنه سيرمى به خارج التاريخ، ومن يرتمي في أحضان الأجنبي فسيرميه بقرف بعيداً عنه، وهذا ما حصل».

ووجه المقداد، بحسب صحيفة «الوطن» رسالة إلى «قسد»، قائلاً: «خسرتم كل شيء، ويجب ألا تخسروا أنفسكم، وفي النهاية الوطن يرحب بكل أبنائه، ونحن نريد أن نحل كل المشاكل بطريقة إيجابية وبعيدة عن العنف».

وقال المقداد: «في حال شنت تركيا أي عدوان سندافع عن كل سورية، ولن نقبل بأي احتلال لأي أرض أو ذرة تراب، لكن على الآخرين وفي هذا المجال، ألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة».

معسكر الرفض

وفي حين انضمت بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والمفوضية ووزارة الدفاع «البنتاغون» إلى معسكر الرافضين لأيّ تحرك قد يعقد الأزمة ويتسبب في عودة «داعش»، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أنها تتابع «بقلق احتمال دخول قوات لسورية وتعتقد أن ذلك لن ينهي مخاوف تركيا وسيؤدي إلى ضرر مادي وبشري واسع النطاق»، مشددة على أنها «تعارض عمليتها المحتملة».

وإذ جدد تأكيده أن «اتفاق أضنة أفضل وسيلة لمعالجة مخاوف أنقرة ودمشق، أبلغ وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف نظيره التركي مولود جاويش أوغلو معارضته للعملية، ودعا إلى احترام وحدة سورية وسيادتها الوطنية، وشدد على ضرورة مكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار والأمن فيها.

وقبل أن يتفق لافروف وجاويش أوغلو على مواصلة الحوار الوثيق، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أمس، أن الولايات المتحدة وتركيا لم تبلغا روسيا مسبقاً بأي ترتيبات توصلتا إليها بشأن خطط لسحب القوات الأميركية، مبيناً أن بلاده تتابع الوضع عن كثب شديد، وستنتظر لترى عدد الجنود المنسحبين والتفاصيل الأخرى المتعلقة بالخطط التي لا تزال غير واضحة.