الأمن أم الحرية... هل من علاقة؟
مع تزايد الحراكات الشعبية في العالم، من هونغ كونغ إلى الإكوادور، إلى الجزائر، إلى السودان، ثم العراق وغيرها، تتردد كثيراً مقولة أن الحراكات تلك ليست إلا من مندسين، وأن القائمين عليها ليسوا إلا خونة متآمرين على النظام السياسي برمّته، وأن الحل الوحيد لتلك المعضلة هو القمع، والضرب بيد من حديد، فكلما تأزمت الأحوال، فعلاً أو افتعالاً، يتم اختلاق أزمة بين الأمن والحرية، ومن ثم مقارنة الحرية بالأمن، ويتبعها اتهام الحرية بأنها هي وليس غيرها سبب تراجع الأمن.بداية، فإن المقارنة تقليدية، لا جديد فيها، فحين تسعى السلطات إلى احتكار "الحقيقة" أياً كان موقعها ومصدرها، ومن ثمّ تمنع الآخرين من ممارسة حرياتهم العادية، السلمية، تحت مبررات لا حدود لها، مثل الإضرار بالأمن الوطني، أو بالعلاقات مع دول خارجية، أو الإضرار بالقيم العامة وأحياناً الخاصة، أو الإضرار بالاقتصاد وبالعملة المحلية، تحلّق بعيداً في التفسير والتعسف غير المبرر.إلا أن الثابت، هو أنه كلما زادت صلاحيات السلطة، توسّعت في التعدي على الحريات، وحاولت الحصول على تفويض أكبر، سعياً للسلطة المطلقة، وفسادها معروف، فقديما قيل "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، بغضّ النظر عن تشكيل "مفسدة"، بالضم أم بالفتح.
إلا أن الشواهد تشير إلى أن أكثر الدول استقراراً هي أكثرها حرية. وفي المقابل فإن أكثر الدول ترهلاً وضعفاً أمنياً، هي تلك الدول التي تطبّق أنظمة أمنية صارمة، وبالذات إن كانت موجهة ضد من يعبّرون عن آرائهم بطريقة سلمية. الحرية والأمن قيمتان يجب ألا تتم مقارنتهما ببعضهما أصلاً، فوضعهما في كفّي مقارنة يوحي أن تدهور الأمن ناتج عن تزايد الحرية، بينما العكس هو الصحيح، فكلما زاد القمع وكبح الحريات فإن النتيجة المحتملة هي عدم استقرار وتهديد للأمن.وتصبح المسألة أكثر إنهاكاً للمجتمع عندما يتطابق الرأي السياسي مع الذهنية الأمنية في التعامل مع الحريات السلمية، ومن ثم يتم خلط الأوراق وتصبح الملاحقة والتضييق على الآراء السلمية منهجاً لا ملامح وخطوات متباعدة.المعادلة إذاً مقلوبة على رأسها، ومطلوب تعديلها وجعلها تسير على قدميها في الاتجاه الصحيح، فالحرية ضمن قواعدها العامة هي إحدى ضمانات الأمن، وليس العكس.لا علاقة للحريات بالأمن وتراجعه، فإن تراجع الأمن فابحثوا عن سبب آخر لتدهوره، والأسباب هنا كثيرة، ولن يكون منها الحرية.