حكومة بلا برنامج ولا أولويات
دوامة إشكالية البلد وتخبطه ستكون مزمنة ومستمرة، أتعلمون لماذا؟ لأننا أمام حكومة تسير بلا هدي، بل بأهواء شخصية، كل وزير يجرها لمبتغاه ولأجندته الخاصة والتافهة في ذات الوقت. نعم حينما تكون الحكومة هي أصلاً ضائعة، وما زالت تمارس التجريب السياسي فينا، على مدى سنوات طويلة، ولا يمكنها أن تحقق الانسجام والتوافق بين أعضائها، بل لا تملك توجيه عدد من أعضائها ممن يسيرون حسب رؤاهم وأهوائهم، ولذا تغدو الحكومة عبارة عن مجموعة متناثرة من الأشخاص، ولن تقدر على فرض أي رؤية ولا تبني أي سياسة، ومن ثم عدم تنفيذ أي برامج، فضلاً عن العجز عن إنجاح أي مشروع، وهو الواقع المر لحال حكومتنا، وبكل أسف، فهي لكل ذلك غير قادرة على تطبيق أي خطة، لأنها غير منسجمة، ولا متفقة على أي برنامج، ولا قادرة على فرض وتنفيذ أي أولويات.إن المتتبع لمسار الحكومة في إدارتها للدولة، وتعاملها مع قضاياه، يؤلمه الحال التي وصلت إليها الحكومة من الضعف والتفكك وفقدان التوافق على أي أولويات، ذلك أن كل ما تملكه الحكومة هو التصرف بردة الفعل نحو أي موضوع أو قضية من قضايا البلد، سواء كانت محورية أو أقل أهمية، فهي لا تملك المبادرة لأنها ليس لديها تبن أو توافق على ثلاث أو خمس قضايا كي تشكل برنامجها أو أولوياتها، فهي أبعد ما تكون عن أي موضوعات أو قضايا حتى تلك الموثقة في أدبياتها أو خطاباتها السياسية أو العامة، ولهذا تعجب من قدرة ذلك الوزير في تغيير مسارها لرؤاه الشخصية، ولاهتماماته الخاصة، وتستغرب كيف تستنفر الحكومة كوادرها وطاقتها للتعامل مع نقد أو طرح من أحد النواب ليتحول موضوعه لأولوياتها، ويثير فضولك كيف يتمكن وزير آخر من جعل أجندته الخاصة محور اهتمام الحكومة وفي مقدمة أولوياتها، بل أكثر من ذلك والأشد غرابة كيف يتمكن جهاز أو مؤسسة حكومية أو أحد قيادييها من إثارة قضية أو موضوع على الساحة، لتصبح تلك الإثارة هي قضية الساعة وتضيع في معمعتها كل القضايا الجوهرية وتُرحّل بسببها برامج أو أولويات، لا غرابة في أن تكون تلك هي حال حكومتنا بما يعزز حقيقة عدم قدرتها على إدارة البلد وعجزها عن تبني أي أولويات أو تطبيق أي برامج أو خطط، فهي تخلت عن موقعها ومؤسسيتها منذ زمن ليس بالقصير، وتفاقم ذلك في السنوات القليلة الماضية، وهو ما ينبغي أن يتم تصحيحه ليعود لمجلس الوزراء اعتباره وقدرته كمؤسسة حكم وإدارة، بعد أن صارت مشاريعه تنفذها جهات غيره، وتدار أموره من قبل المؤسسة البرلمانية على نحو ينم عن الضعف والاتكالية، بسبب التهرب من المسؤولية وعدم القدرة على التصدي للمساءلة وتفنيدها بكل حجة واقتدار.
إن حالة الضياع في مسار الدولة وتخبطها، وتزايد مظاهر الفساد وممارساته، وعجز الحكومة عن مواجهته، وما آلت إليه حال البلد من تراجع واضح، بل ونيل من ثوابتها الدستورية والوطنية، والاختراق الكبير لدولة المشروعية الدستورية والمؤسسات التي بناها الآباء المؤسسون، دليل قاطع وبينة أكيدة على التراجع المخيف الذي لحق الحكومة، التي لم تعد قادرة على ممارسة دورها، ولا صيانة موقعها وأيلولتها إلى شتات من أشخاص لوزراء كل منهم يقودها ليوم أو لبعض الوقت، حسب رغباته وأهوائه وأجندته، والتي بكل تأكيد لا تهدف إلى تحقيق مصلحة الدولة ومواطنيها، وهو مكمن الخلل في تراجع الدولة وضياع بوصلتها وتفاقم مشكلاتها، بما يستوجب الحفاظ على مجلس الوزراء كسلطة وعلى مؤسسيته.