هل تُحقق باكستان أخيراً ما أرادته دوماً؟
في الأسبوع الماضي، وصل وفد من حركة "طالبان" الأفغانية بقيادة زعيم بارز إلى إسلام أباد، واتفق خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الباكستاني على استئناف محادثات السلام مع الولايات المتحدة. يُعتبر هذا التطور مهماً، أو حتى غير مسبوق، لأسباب متعددة.حصلت هذه الزيارة إلى باكستان تزامناً مع وجود مبعوث السلام الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، في إسلام أباد، كذلك، تشير التقارير إلى اجتماع خليل زاد مع ممثّلي "طالبان" هناك، مما يعني أن واشنطن لم تقرر استئناف عملية السلام المُعلّقة فحسب، بل إنها تدعم بالكامل تدخّل باكستان في هذا الملف.تجيب هذه الزيارة بدرجة معينة عن الأسئلة المرتبطة بالضغوط التي تمارسها باكستان على الحركة. كان وفد "طالبان" بقيادة المُلا برادر، زعيم بارز اعتُقِل في باكستان لسنوات ولم يُطلَق سراحه إلا في السنة الماضية، في محاولةٍ لاستئناف محادثات السلام، كانت باكستان في الماضي تنفي قدرتها على استعمال نفوذها للتأثير على الحركة، لكن يشير قرار خليل زاد و"طالبان" بزيارة باكستان لعقد أول اجتماع بعد انهيار المحادثات إلى نفوذ البلد ودوره في عملية السلام.
لم يعد الاتفاق مع الولايات المتحدة على رأس أولويات "طالبان" فحسب، بل إنه هدف مهم بالنسبة إلى إسلام أباد وواشنطن أيضاً. بنظر إسلام أباد يضمن أي اتفاق محتمل تواصل اهتمام واشنطن بمسألة كشمير وتقليص الضغوط في أماكن أخرى، حتى أنه يحافظ على أهمية النفوذ الباكستاني في أفغانستان في حال عادت "طالبان" إلى السلطة. من وجهة نظر ترامب، يضمن أي اتفاق بين الولايات المتحدة "وطالبان" الدعم اللازم محلياً، في حين يستعد بلده للانتخابات الرئاسية في عام 2020. تريد "طالبان" من جهتها متابعة التناقش حول دورها في تقرير مستقبل أفغانستان السياسي. شككت الجماعات السياسية الأفغانية بشرعية هذه الحركة، لكن تتابع "طالبان" الاستفادة من الوضع عبر حصر حوارها مع العالم بمستقبل أفغانستان السلمي. مع ذلك، من المستبعد أن تلتزم باكستان بأي حل لا يتوصل إلى اتفاق بين واشنطن و"طالبان" ويقصي تلقائياً شركاء آخرين، أبرزهم الحكومة الأفغانية. تؤكد زيارة "طالبان" وخليل زاد إلى باكستان أن الولايات المتحدة و"طالبان" لا تثقان بقدرة الانتخابات الأفغانية الأخيرة على تغيير مسار محادثات السلام المستمرة بأي شكل من الأشكال. تجدر الإشارة إلى عدم مشاركة الحكومة الأفغانية الراهنة في عملية السلام، حتى أنها شككت بدور باكستان كوسيطة في النقاش كله. منذ بضعة أسابيع، تحتفل الحكومة الأفغانية علناً بانهيار محادثات السلام، وبفضل هذا التطور، حصلت الحكومة على دعم موقّت وضروري وأكدت موقفها السابق الذي يعتبر أي اتفاق سلام يُهمّشها فاشلاً، وقد يكون موقف الحكومة الأفغانية مبرراً، لكنه لا يمنع إسلام أباد وواشنطن و"طالبان" من استئناف المفاوضات. بفضل دعم الولايات المتحدة ودول أخرى، مثل إيران وروسيا والصين، لعملية السلام، يتخذ الدور الباكستاني طابعاً شرعياً، حتى أنه يبني هوية "طالبان" كقوة تؤدي دوراً محورياً في تقرير مستقبل أفغانستان. عملياً، لا يصبّ هذا الوضع في مصلحة النخبة الحاكمة في أفغانستان كونه يُضعِف حظوظها في السياسة الأفغانية.في ظل الوضع الراهن، لا تستطيع الحكومة الأفغانية وحلفاؤها لوم باكستان على دعمها لحركة "طالبان" أو الضغط ضد مصالح إسلام أباد في واشنطن لأن هذا البلد أصبح شريكاً في عملية التفاوض. في الحد الأقصى، قد تؤدي محاولة النخبة الأفغانية الحاكمة تغيير مسار العملية إلى إثارة غضب واشنطن.ترتبط المحادثات المستمرة بكل بساطة بانسحاب القوات الأميركية أكثر مما تتعلق بوضع خريطة طريق لإرساء سلام دائم في أفغانستان. هذا هو الدافع الحقيقي اليوم وراء دعم إسلام أباد لعملية السلام، إذ يحصل هذا البلد دوماً على ما يريده، أي الاعتراف بسياسته الأفغانية وإرضاء واشنطن في وقتٍ تحتاج فيه إسلام أباد إلى دعمها أكثر من أي وقت مضى.* عمير جمال* «ديبلومات»