د. الهبّاد: «العربية» كائن حي له كيان ثقافي وفني
في محاضرة برابطة الأدباء بعنوان «نبض الموسيقى بين حنايا اللغة العربية»
أكد د. حمد الهباد، خلال محاضرة في رابطة الأدباء، أن اللغة العربية كائن حي له كيان ثقافي وفني ونبض موسيقي وإيقاعي، ولغة الموسيقى توأم اللغة العربية وقلبها النابض.
أقامت رابطة الأدباء محاضرة بعنوان "نبض الموسيقى بين حنايا اللغة العربية" على مسرح د. سعاد الصباح، قدمها المحاضر د. حمد الهباد، كما صاحبها معرض للفنانة التشكيلية ابتسام العصفور، عرضت خلاله عددا كبيرا من لوحاتها الفنية لبعض الفنانين من جيل الرواد، كما قدمت العازفة منى منصور مقطوعات موسيقية متميزة على آلة الكلارنيت.بداية، قال د. الهباد: "إن الفنون ترتبط بخاصيتين أساسيتين هما الزمان والمكان، فالزمانية هي خاصية العلوم الجمالية، وتمثل فنون الموسيقى والأداء الحركي، والفنون الكلامية مثل الشعر بأنواعه الذي يمثل التكوين الزمني والإيقاعي أساسا للبناء الجمالي في تكوينها". وتابع: "أما الخاصية المكانية فهي العلوم الجمالية المرتبطة بالمكان، والتي تتمثل في فنون العمارة والنحت والرسم والنقش وغيرها، ولا شك في أن المكانية والزمانية لا تعد منفصلة بشكل قاطع، وإنما ذلك في مظهرها الخارجي فقط، وإن أمعنت النظر لتلك الفنون فستجد تداخلا بينهما لا يظهر إلا من خلال ما يطلق عليه التذوق الفني، فالمتذوق هو الذي يستطيع أن يبرز جماليات الزمان في الموقع المكاني وجماليات المكان في الموقع الزماني، حيث إن الزمان يفيد الحركة، والمكان يفيد السكون، والربط بينهما بمنظار التذوق يجعل الفاحص يرى ما وراء السكون والحركة".
فنون القول
وأوضح د. الهباد "لعل سبب اختيار هذا العنوان هو إقرار بأن اللغة العربية كائن حي له كيان ثقافي وفني ونبض موسيقي وإيقاعي، ولغة الموسيقى توأم اللغة العربية وقلبها النابض، فإبداع الشعر يتم في أطر نغمية وإيقاعية تحدد أوزانه وجرسه الموسيقي، وفنون القول بعمومها يحكمها التنغيم اللفظي والوقع الإيقاعي، أما معاني الفكر فيجسدها تنوع المقامية".واستدل بعدة أدلة تؤكد كلامه، فالشاعر حسان بن ثابت، يقول "تغنى بالشعر إما أنت قائله/ إن الغناء لهذا الشعر مضمار"، ود. عبدالله بن أحمد الفيفي يقول إن البحور الشعرية العربية إنما جاءت عن غناء الكلام المراد أن يكون شعرا.التعبير اللفظي
وأكد د. الهباد أن الموسيقى رديفة اللغة العربية، تحتاجها لإبراز التعبير اللفظي وتجسيد الصور البلاغية، كما تحتاج نغماتها التوافقية لتجسد المشاعر والأحاسيس الإنسانية، فالمعاني اللغوية لا تتجسد إلا بمقامات نغمية، كالمعاني الحزينة تجسدها مقامات حزينة، والعكس صحيح.ولفت إلى أن للمعاني الحماسية مقامات تناسب روح العزيمة والإقدام، لذا فالقصيدة الغنائية خارجة من رحم اللغة العربية، وتحظى بقدر من جماليات التنغيم اللفظي والإيقاعي الذي يحدد مسارهما الإعراب، إضافة إلى الجرس الموسيقي والعروضي.أركان القصيدة
وأوضح د. الهباد أن الشعراء والملحنين يجمعهم النسيج الفني والأدبي الذي يعد قوامة الكلمة واللحن، فكلما "أكل" الشاعر أركان القصيدة، ساهم الملحن في إبراز معانيها نغما وإيقاعا، وفي تسلسل حروفها على مدارج حروف النغمات الموسيقية.لغة الموسيقى
وأكد أن لغة الموسيقى حسية في جوهرها، يتفاوت تأثيرها حسب الطبقة الصوتية للأبعاد النغمية، ويستمد قوامها صفته من وضعها النسبي في السلم الموسيقي، فلها من التأثير في العقل البشري ما لا تجده في باقي الفنون الأخرى من تأثير يستطيع العقل البشري استيعابه.وأوضح أن ذلك يرجع إلى أن لغة الموسيقى فيها انعدام لصورة المادة، فالأصوات لا هي منظورة كحروف اللغة والرسم ولا ملموسة كما في النحت، حتى يكون لليد والنظر قسط وافر في سهولة إدراكها واستيعاب أصولها، لذلك كان طبيعيا أن يشترك السمع والبصر مع الإحساس والإرادة في تحليل التراكيب الصوتية حين تجس السمع فينتبه العقل فيحدث الشعور.النفس البشرية
وعن تأثير لغة الموسيقى في النفس البشرية، قال د. الهبّاد إن الإشارة الأولى تاريخيا التي تبين علاقة لغة الموسيقى بعلم النفس، حينما شرح العالم الحسن بن زيلة المتوفى (440هــ) في كتابه الكافي في الموسيقى، أثر الصوت الموسيقي على النفس البشرية، بقوله: "والصوت يحدث تأثيرا في النفس من وجهتين إحداهما لتأليفه، والثانية لكونه محاكيا لها، خاصة نفس الإنسان".علم النفس
ولفت د. الهباد إلى أن الفارابي يؤكد علاقة اللغة الموسيقية بعلم النفس بالقول: "إن الألحان أصناف، صنف يكسب النفس لذاذة، ويفيدها راحة من غير أن يكون له في النفس صنع أكثر من ذلك".وعن طبقات التنغيم اللفظي، أضاف أن الخليل بن أحمد أول من أدرك مفاهيم الطبقات الصوتية لتسلسل الحروف في الحنجرة بنظام موسيقي، صنفها في كتابه "العين" فرتب حروفه ترتيبا موسيقيا اعتمد مواقع مخارج الحروف من الجوف إلى طرف اللسان، محاكيا الطبقات الصوتية الموسيقية من القرار إلى الحدة، بما يعرف بالموسيقى العالمية "bas- alto- tenor- soprano".الشعر والموسيقى
ودلل الهباد على علاقة اللغة بين الشعر والموسيقى، قائلا إن المتأمل في بعض لغة الشعر ولغة الموسيقى يلاحظ تطابقا فكريا رغم اختلاف اللسان، مضيفا ان للموسيقى واللغة دورا في علاج النطق وفق العالمين بول بروكا وكارل فيرنكا، حيث استطاعا اكتشاف المناطق المسؤولة عن النطق في الدماغ البشري وحدداها في الفص الأيسر للدماغ، وأي عطل يحدث لها يؤثر على مخارج الحروف والنطق السليم.
الفنون ترتبط بخاصيتين أساسيتين هما الزمان والمكان