الرهان الأميركي الخاسر!
ها هي العمليات العسكرية تندلع شمال سورية لتدخل المنطقة مجدداً في مرحلة أخرى من دوامة العنف بشقيه الأمني والسياسي، في إطار محاولات فرض معادلات توازن القوة على تخوم الشرق الأوسط، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من مواقعها العسكرية بطريقة مفاجئة كالعادة، واعتبار الحرب السورية برمتها مسألة سخيفة، وإلقاء الكرة في الملعب السداسي الذي يضم روسيا وتركيا وإيران والعراق وسورية بالإضافة إلى الأكراد، علماً أن هذه الأطراف تشكل تحالفات متداخلة، وتشترك رغم اختلافاتها البينية في المسار السياسي للخروج من الأزمة السورية.الموقف الأميركي الجديد في شمال سورية لم يكن مستغرباً على الإطلاق وفق أبسط التحليلات السياسية، حيث يتطابق مع غيره من القرارات الأميركية في العالم منذ تولي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض، وتتمثل هذه السياسة سواءً في منطقة الخليج أو شبه الجزيرة الكورية أو مع الاتحاد الأوروبي أو حتى فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي في إيصال الأمور إلى حافة الهاوية، ودفع أطراف الخلاف فيها إلى التصعيد، مع إعطاء ضمانات مزعومة لحلفائها، ثم التنصل من ذلك كله بطريقة غريبة، ودعوة هذه الأطراف إلى إخراج أنفسهم من المستنقع الذي أوصلتهم الحكومة الأميركية إليه، ويبدو أن العنصر المشترك بين كل هذه الملفات هو خلط الأوراق والإبقاء على الملفات عالقة دون حل مع شفط الأموال من الحلفاء الأغنياء، إما عبر صفقات السلاح أو المشاريع الاقتصادية والتجارية، ولا تكتفي الإدارة الأميركية بعد ذلك بتعليق أصدقائها بل توبيخهم وإهانتهم وتحميلهم المسؤولية، والتهكم عليهم بالقول لنرى «ماذا ستفعلون بدوننا»!
هذا السيناريو تكرر في السنوات الثلاث الماضية عندما ربط ترامب العصائص بين كوريا الشمالية والجنوبية واليابان وشفط أموال الكوريين واليابانيين، ثم حرض بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل الوعد بالدخول معها في أكبر تحالف تجاري، وبمجرد أن غرقت بريطانيا في الوحل أدار لها ظهره، كما حرّض دول الخليج على إيران متوعداً طهران بأكبر التهديدات إلا أنه مع ساعة الصفر أعلن مبدأ «أنا مالي شغل في أمن الخليج»، وحتى حليفه الصهيوني نتنياهو لم يسلم من هذا الغدر السياسي، حيث بدأ بنفخه عبر نقل السفارة الأميركية إلى القدس ومباركة ضم الجولان والوعد بتمرير صفقة القرن، إلا أنه تركه وحيداً لمواجهة مصيره في الفشل السياسي وبانتظار قضبان السجن.الحالة التركية السورية هي آخر صيحات ترامب، فبعد أشهر من التنسيق السياسي والعسكري لإقامة المنطقة الآمنة شمال سورية، ومع اقتراب بدء العمليات الميدانية تركت القوات الأميركية مواقعها وبدأت بتوعد تركيا إذا ما عبرت حدود سورية بمعية ما يسمى «قوات الجيش الحر» التي دربتها الولايات المتحدة في معسكراتها، وبتمويل تركي وعربي على مدى سنوات، ومع وضوح الرؤية بأن كل من يراهن على ترامب يخسر، إلا أنه لا عبرة لمن لا يعتبر!