تعهد رئيس وزراء باكستان عمران خان في شهر أغسطس الماضي بأنه سيعمل على شكل «سفير» لشعب كشمير المحاصر بنحو مليون من قوى الأمن الهندية، وكان ذلك هو ما قام به على وجه التحديد حيث استخدم أكبر منصات العالم- الجمعية العامة للأمم المتحدة– للتعبير عن معاناة ذلك الشعب.وعمد خان الى شجب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بقوة، ودعا العالم الى منع ما وصفه «حمام دم» محتمل في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين، حيث فرضت قوى الأمن الهندية لأكثر من شهرين حظراً للتجوال على الأكثرية المسلمة هناك، كما تم اعتقال الآلاف من المدنيين والمئات من القادة السياسيين خلال تلك الفترة.
وفي أعقاب كلمة عمران خان في الأمم المتحدة خرج سكان كشمير الى الشوارع للتعبير عن شكرهم له وأطلقوا الألعاب النارية مع الدعوة الى التحرر من الهند.اشتمل قيام نيو دلهي بضم إقليم كشمير وحصاره على سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية، ويزعم المسؤولون الهنود ووسائل الاعلام الخاصة أن الأوضاع عادت اليوم الى طبيعتها في كشمير، وهو زعم غير صحيح، كما يقولون إن الأقليم سيشهد تنمية واسعة وموجة من الاستثمارات في المستقبل.
مخططات مودي
ولكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والكثير من مستشاريه وجماعته في وسائل الإعلام الهندية يعلمون أنه زرع بذور اضطرابات طويلة الأجل في كشمير، ويعلمون أيضاً أن التغيير في وضع الإقليم هو ضد إرادة الشعب والقيادة السياسية هناك، وليس موالياً للهند بأي حال من الأحوال– ولذلك يتعرض ذلك الشعب الى حصار وقد انقطع بشكل شبه تام عن العالم.ولهذا السبب أيضاً يقبع القادة السياسيون الذين يستطعيون تنظيم احتجاجات في السجون أو يحكم عليهم بالاقامة الجبرية. وتسمح البيئة المحلية والدولية لنيو دلهي بالاستمرار في الوضع القائم لعدة شهور، ويتعين على الكونغرس اجراء جلسات استماع حول كشمير، كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دعم بشكل فعلي ضم الهند للإقليم ووعودها الزائفة حول التنمية.في غضون ذلك أشارت أليس ويلز وهي دبلوماسية أميركية رفيعة في جنوب آسيا الى أنها ترى في قرار الهند ضم إقليم كشمير عملية أمر واقع، على الرغم من أن تلك الخطوة قوبلت بمعارضة من جانب معظم أبناء كشمير، كما أنها تنتهك قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بكشمير واتفاقية «سملا» بين الهند وباكستان لعام 1972.وسوف تستمر عمليات اعتقال الهند للقادة الكشميريين لأشهر وربما سنوات، وقد تفضي الى منع مظاهرات الاحتجاج المنظمة، وفي حين خلقت نيو دلهي فراغاً في القيادة السياسية في إقليم كشمير المحتل فهي تأمل أن يملأ ذلك الفراغ الآن رئيس وزراء باكستان الذي يحظى بتقدير من قبل سكان إقليم كشمير.في عام 1983 عندما حدثت المواجهة بين الهند وغرب الأنديز في أول مباراة دولية للكريكت في كشمير هتف سكان الإقليم ضد الفريق الهندي، وحملوا صوراً لعمران خان الذي كان يومها كابتن الفريق الباكستاني، واليوم ومع تعرض سكان كشمير لخطر محدق يقود عمران خان باكستان وحملتها الدبلوماسية لأجل كشمير. وعلى أي حال فإن تردي وضع حقوق الإنسان في كشمير يمثل تحدياً لباكستان أيضاً، وتوجد توقعات كبيرة بالنسبة الى إسلام أباد في ذلك الإقليم، توقعات قد لا تتمكن من تنفيذها بسبب عجزها عن التحرك بفعالية.وباستثناء ماليزيا وتركيا لم تتمكن باكستان من حشد دعم دبلوماسي لقضية كشمير، وتظل ملتزمة ببذل ما في وسعها لردع الهند ولكنها تسعى الى تجنب التصعيد بسبب متاعبها الاقتصادية ومخاوف خوض حرب نووية، وإضافة إلى ذلك فإن احتمال وضعها على القائمة السوداء من قبل قوة العمل المالي «فاتف» قلص أيضاً خيارات باكستان غير التقليدية.وفي شهر سبتمبر الماضي حذر عمران خان الباكستانيين من الذهاب للجهاد في كشمير، ومع أن باكستان وقفت منذ زمن طويل الى جانب شعب الإقليم غير أن دعمها لمجموعات إرهابية شوه قضية الكشميريين المشروعة وتسبب في إلحاق ضرر كبير بالمجتمع الكشميري.واللافت أن حملة خان الدبلوماسية أحدثت تأثيراً متواضعاً حتى الآن ونالت دعماً من ماليزيا وتركيا وربما الصين ومكنته من الحصول على نافذة فرصة لعرض القضية في أوساط الدوائر المؤيدة للعنف.استمرار الحصار
ولكن حصار كشمير يستمر على حاله وسيرى المزيد من الكشميريين على جانبي خط المراقبة أنهم فقدوا خياراتهم السلمية، ولم يعد لديهم سوى اللجوء الى العنف، ويقبع قادة كشمير الذين شاركوا في النظام السياسي الهندي في صورة رؤساء وزارات في اقليم تعتبره الهند «دولة» يقبعون في السجون الآن.وقد تم اعتقال فاروق عبدالله الذي شغل ثلاث مرات منصب رئيس الوزراء في كشمير من دون تهمة في شهر أغسطس الماضي، كما أن ابنه عمر الذي عمل أيضاً رئيساً للوزراء في كشمير تعرض للسجن، وكان ذلك مصير والد فاروق الشيخ عبدالله الذي وقف الى جانب الهند يوم التقسيم والذي حكم عليه بالسجن لمدة أحد عشر عاماً حتى بعد أن عمل رئيساً للوزراء في كشمير، وكانت الرسالة الى شعب كشمير واضحة: الهند تعتبر كشمير مستعمرة وشعبها يجب أن يستعمر.في غضون ذلك، وفي أزاد وجامو وكشمير صدرت دعوات متزايدة تنشد مساعدة سكان كشمير الذين تحاصرهم الهند. وفي الشهر الماضي، اضطرت القوات الباكستانية الى ردع محتجين كشميريين أرادوا الوصول الى القسم الذي تحتله الهند من كشمير.ويظهر التاريخ وجود عوامل تدفع التمرد المنظم في كشمير تسبق تورط باكستان، وعلى سبيل المثال فإن الغارة القبلية التي اقتحمت الإقليم من باكستان سبقتها مذابح أسفرت عن مقتل 200 ألف مسلم في إقليم جامو بتوجيه من قوات المهراجا الهندوسي هاري سنغ ومجموعة هندوتفا المتطرفة. وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وقبل الانتفاضة الكشميرية هرب الآلاف من الكشميريين الى باكستان ونظموا مقاومتهم المسلحة للحكم الهندي.وهنا يكمن الخطر بالنسبة الى اسلام أباد: سيستمر الحصار الهندي، وتناشد باكستان العالم تقديم المساعدة ولكن دعواتها تهمل اضافة الى مطالبتها بقمع الميليشيات المحلية التي تتمركز في كشمير.ويتذكر خان بالتأكيد تجربة الحاكم السابق برويز مشرف الذي تسبب قمعه للكثير من هذه المنظمات بعد هجمات 11 سبتمبر وهجمات البرلمان الهندي في عام 2001 تسببت في عدة محاولات لاغتياله.من جهة أخرى يستحق خطاب مشرف في عام 2002 حول كشمير مراجعة دقيقة اليوم وخاصة بعد أن شددت الدبلوماسية الأميركية أليس ويلز على التزامات باكستان المضادة للإرهاب فيما يتعلق بانتهاك الهند حقوق الانسان، وفي معرض حديثها عن خطط مودي «للعمل مع جيل جديد من القادة السياسيين» في كشمير صادقت على حملة نيو دلهي التي هدفت الى سجن الطبقة السياسية القديمة. ومع مواصلة مودي حصاره لكشمير وسعيه الى بناء «هند جديدة» رحبت ويلز بمهرجان لمودي في هيوستون، في حين تحذر شخصيات من المعارضة الهندية من انتشار الفاشية في الهند.حملة ضد خان
وقد حملت ويلز بشدة على عمران خان بسبب صمته إزاء محنة اليوغور المسلمين المضطهدين، ولكن تصريحاتها تظل جوفاء بالنسبة الى الكشميريين وقد دعت الى إطلاق سراح السجناء مع أنها تعلم أن ذلك لن يحدث في المستقبل القريب. ولكنها بحسب محللين ترى في الهند ورقة رابحة في وجه الصين الصاعدة.ويتطلب الوضع في كشمير الذي يمثل أزمة جيوسياسية تدخلاً من جانب الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية، ولكن اقتحام مودي لكشمير هو مجرد جزء من أجندة أوسع تهدف الى تحويل المسلمين في ذلك الأقليم الى مواطنين من الدرجة الثانية. وقد مكنت لا مبالاة الادارات الأميركية المتعاقبة المجموعات الهندية المتطرفة من تعزيز قوتها في الهند والمضي في أجندة راديكالية من دون خوف من عواقب وذيول.وفي الأسبوع الماضي، أعلن مبعوث مودي أميت شاه أن الهند ستقوم باجلاء من تعتبرهم من المسلمين المهاجرين غير الشرعيين وليس رعايا من الهندوس والديانات الأخرى. الهند ستواجه صعوبة في ترحيل أولئك المسلمين الى بنغلادش المجاورة. وبدلاً من ذلك ربما تقرر وضع مئات الآلاف منهم في معسكرات اعتقال وتحويلهم الى رعايا من دون دولة.جدير بالذكر أنه على الرغم من ضعف أداء حزب بهاراتيا جاناتا في ميدان الاقتصاد غير أنه يظل يتمتع بشعبية واسعة بسبب تفضيل الأكثرية الهندوسية في شتى ميادين الحياة في الهند.