في وقت تسعى فيه تركيا إلى إنشاء «منطقة آمنة» في شمال سوريا لتوطين مليوني سوري فيها، تختلف آراء اللاجئين السوريين في تركيا حول هذه المنطقة، بين من يراها «فرصة للعودة» وبين من يعتبرها تهدف لإجراء «تغيير ديموغرافي».«لن أعود لأعيش في بيت عائلة أخرى تم تهجيرها من أرضها»، هكذا يقول اللاجئ السوري هشام ح. الذي يعيش في اسطنبول منذ عدة سنوات، تعليقاً عما إذا كان يريد العودة إلى سوريا والعيش في «المنطقة الآمنة» التي اتفقت تركيا مع الولايات المتحدة على إنشائها شمالي سوريا.
ويضيف هشام في حديثه لمهاجر نيوز: «أنا عربي لكنني أعرف أن غاية تركيا من إنشاء هذه المنطقة ليست سوى تحقيق هدف قديم لها وهو القيام بتغيير ديموغرافي فيها من أجل إنشاء حزام عربي بينها وبين الأكراد»، ويضيف: «لا أحب حزب العمال الكردستاني وجماعته في سوريا، لكن الوضع في المنطقة مستقر نسبياً، وأخاف أن يؤدي الهجوم التركي إلى تكرار ما حصل في مناطق أخرى من تهجير للمدنيين».
توطين مليوني لاجئ
وقد بدأت تركيا قبل أيام بعمليتها العسكرية الثالثة في شمال سوريا خلال ثلاث سنوات، بضوء أخضر من ترامب، وذلك سعياً منها لإنشاء «منطقة آمنة» من أجل توطين مليوني لاجئ سوري فيها.وفي بداية الشهر الجاري، وقبل بدء العملية بأيام، قال أردوغان إن تركيا تعتزم توطين مليوني شخص في «المنطقة الآمنة» المزمعة، والتي قال إنها ستمتد شرقاً من نهر الفرات في سوريا إلى الحدود العراقية.وقال أردوغان: «عدد السوريين العائدين إلى المناطق التي وفرنا أمنها وصل حتى الآن إلى 360 ألفاً»، وتابع: «السبب الوحيد لوجودنا في سوريا هو التهديدات الإرهابية على حدودنا وتحولها إلى حاجز يمنع عودة السوريين الموجودين في بلدنا».وكانت تركيا وفصائل المعارضة السورية التابعة لها قد سيطرت على غالبية المناطق الحدودية غربي نهر الفرات، من خلال عمليتين عسكريتين، أولهما في عام 2016، والثانية العام الماضي بالسيطرة على منطقة عفرين، وتتهم منظمة العفو الدولية فصائل المعارضة بارتكاب «انتهاكات جسيمة» في عفرين «بتواطؤ تركي».فرصة للعودة
لكن «الانتهاكات التي ارتكبتها وحدات حماية الشعب من تهجير للمدنيين في بعض المناطق»، والتي وثقت منظمة العفو الدولية بعضها في تقرير نشر عام 2015، هي ما تجعل اللاجئ السوري مصعب يرى «المنطقة الآمنة» التي تريد تركيا إنشاءها «فرصة لعودة المدنيين الذين تم تهجيرهم».يقول مصعب الذي يعيش في مدينة ماردين لمهاجر نيوز: «أخي محامٍ تم تهجيره ويعمل الآن في محل للإكسسوارات في تركيا، بالتأكيد ستكون المنطقة الآمنة فرصة له ليعود ويمارس مهنته، مثله مثل كثيرين».ومن الذين يريدون العودة، اللاجئة السورية أم حامد، تقول أم حامد لمهاجر نيوز: «أريد أن أعود لأؤدي رسالتي فأنا معلمة لغة عربية، تخرجت في عام 2014، لكن لا يمكنني الْعمل في تركيا»، وتضيف: «لقد اشتقت إلى عائلتي وأخواتي في سوريا».سجن
أما اللاجئ السوري أبو محمد، الذي يعيش في مدينة ديار بكر، فلا يريد العودة إلى «المنطقة الآمنة».يقول اللاجئ الثلاثيني لمهاجر نيوز: «لن أعود بسبب أولادي، فهم يذهبون للمدارس وقد تعلموا التركية واندمجوا في المجتمع»، ويتساءل: «لماذا سأعود إلى منطقة البنية التحتية والخدمات فيها أسوأ من تلك المتوفرة في المنطقة التي أعيش فيها؟»، ويضيف: «الإنسان يسعى إلى الاستقرار فلماذا أحكم على نفسي بالسجن؟».وتؤكد تركيا على أنها لا تسعى لفصل «المنطقة الآمنة» التي تريد إنشاءها عن سوريا.ويستبعد أبو محمد أن تقوم تركيا بإجبار اللاجئين الذين يعيشون فيها على العيش في «المنطقة الآمنة» المزمع إنشاؤها، ويوضح:«العودة تتم تحت اسم العودة الطوعية، لكنها تأتي نتيجة ضغط على بعض اللاجئين وليس كلهم، كما حصل في اسطنبول ومحافظات أخرى».وقد زادت السلطات التركية الضغوطات على اللاجئين السوريين في الآونة الأخيرة، حيث قررت اسطنبول ترحيل اللاجئين غير المسجلين فيها إلى المدن التي سجلوا فيها عند دخولهم.ويرى أبو محمد أن هدف «المنطقة الآمنة» الأساسي هو «توطين أي موجات نزوح مقبلة من إدلب والمناطق المحيطة بها»، ويتابع: «ما يتم في شمال سوريا هو نتيجة صفقة بين تركيا وروسيا مضمونها تنازل الأتراك عن إدلب مقابل السماح لهم بالسيطرة على عفرين ومناطق أخرى ذات غالبية كردية»، ويضيف: «من الواضح أن أردوغان ينشئ المنطقة الآمنة لأهالي إدلب التي سيتنازل عنها للروس والنظام».ويتفق معه اللاجئ السوري هشام، الذي يرفض العيش في «المنطقة الآمنة»، ويقول: «إذا كان هدف أردوغان هو حماية المدنيين وإعادة الأمان حقاً، فلماذا لا ينشئ المنطقة الآمنة في إدلب مثلاً، عوضاً من أن يقوم بتوطين ابن إدلب في أرض شخص آخر».لكن اللاجئ السوري مصعب يؤكد على ضرورة مراعاة حق المواطن السوري في أن يعيش في أي مكان يريده، عندما لا يكون ذلك تعدياً على حقوق مواطنين آخرين، ويختم: «تركيا لن تستطيع أن تنزع أهل المنطقة من أرضهم مهما فعلت».