شربل داغر لـ الجريدة•: الرواية لا تنافس القصيدة

«إعادة إصدار أعمالي أجبرتني على قراءة شعري من جديد»

نشر في 13-10-2019
آخر تحديث 13-10-2019 | 00:13
بعد تصريحه في ندوة عقدت له بالقاهرة مؤخراً عن أنه كان يمكن ألا يكون شاعراً، ومن وقتها وأسئلة عديدة تثار عما كان ممكناً أن يحمله الشاعر اللبناني الكبير شربل داغر غير لقب الشاعر، وما تفسيره لما قاله؟ وما رؤيته لمستقبل الشعر؟
وفي حوار أجرته معه «الجريدة»، من القاهرة، أجاب عن كل تلك التساؤلات، متطرقا إلى مكانة الشعر في عصر المالتيميديا، فضلاً عن العديد من القضايا الأدبية الأخرى... وإلى نص الحوار:

• حضرت إلى القاهرة للاحتفال بإعادة طباعة بعض أعمالك الشعرية في الهيئة المصرية العامة للكتاب... فماذا تعني هذه الخطوة لك؟

- أتيت إلى القاهرة لحضور ندوة بمناسبة طباعة عدد من مختاراتي الشعرية، مع القصيدة «الاحترافية» الأولى التي نشرتها عام 1971، ولم تُطبع سابقا في كتاب. ولقد أوردت المختارات من دون أي تعديل أو استعادة أو تصويب. هكذا أردتُها، أي مثل وثيقة تاريخية لشعري، فما أعدت صياغتها مثلما يفعل بعض الشعراء، من باب التحسين أو التبرؤ من قصائد أو مقاطع لأسباب مختلفة. هم، في ذلك، لا يدققون شعرهم، وإنما يعيدون كتابته، ويغيرون حقيقته وطبيعته وصلته بسيرتهم.

والمناسبة كانت سعيدة، فهذا ما يحدث للمرة الأولى في تجربتي الكتابية، فقد سبق لي أن أصدرت في السابق، في أكثر من بلد عربي، «مختارات» من أشعاري، وكان الغرض من إصدارها إيصال أجزاء منها إلى جمهور لا يعرفها بشكل واف، ما دام الكتاب الشعري صعب الانتشار، وفرحتُ بهذا الإصدار، إذ إنه أجبرني على قراءة شعري من جديد، مما ساعدني على تبين خطوط متمادية فيه منذ بداياتي، ولا سيما الميل المتعاظم إلى التجريب، وإلى تبديل طرق بناء الجملة الشعرية، وإلى المضي بعيدًا في جعل القصيدة تعبيرًا فردانيًا.

صورة الشاعر

• قلت إنك لم تعمل على أن تكون شاعرآ في بداية مسيرتك الأدبية والفكرية... فماذا كانت رغبتك؟

- كان يمكن ألا أكون شاعرًا، فقد انشغلت في مراهقتي، وفي مساعي الكتابة الأولى، بأنواع أدبية أخرى، غير الشعر. اهتممت بالمسرح، كتابة وتمثيلًا. وهو ما قمتُ به في أكثر من مشروع، بما فيها التقدم إلى جائزة أدبية، وقد فزتُ بها أثناء دراستي في الثانوية العامة... كتبت بعض القصائد في هذه المرحلة من دون هوس شديد... تبدل الأمر في سنتي الجامعية الأولى، حيث انسقت إلى كتابة الشعر متفاعلًا من دون شك مع مناخ ثقافي وسياسي وشعري سبقني إليه شعراء كانوا قد سبقوني في الدرس في الكلية نفسها، وفي كتابة الشعر، مثل: بول شاوول، ومحمد عبد الله، وحمزة عبود، وشوقي بزيع. ولقد كان لبعض أساتذتي في تلك السنوات الأولى في السبعينيات، مثل: أدونيس وخليل حاوي، أو لبعض ممن كنت أقرأ لهم في الصحافة، مثل: أنسي الحاج، تأثيرهم الأكيد على بداياتي. كانت للشاعر صورة محفزة، ولامعة، فكيف إذا جرى تقديمي مع زملائي المذكورين، في أول ظهور نشري لشعرنا، في «الملحق الأدبي» لجريدة «النهار» أو في مجلة «مواقف» لأدونيس، بوصفنا الشعراء الشباب الذين يشكلون الوجه الجديد للشعر اللبناني الحديث! وكانت أنوار الشعر تجذبني أكثر مما يجذبني هذا الشاعر أو ذاك، خصوصًا أنني كنت أنشدُّ طلب التمايز الذي كان يشدد عليه «اليسار الجديد» في دعاويه لنفسه، وفي تخالفه عن غيره. انجذبتُ إلى هذه الصورة، إلى هذا التطلع الذي استنفر حماستي واندفاعاتي الأولى. فما كان يحركني هو عدم التقليد، عدم التأثر بما هو متوافر ومتبع، أي التشديد على طلب الاختلاف مع من سبقني ومع أقراني. وهو درس أول في السياسة، لكن كان له تجليات أكيدة في تجربتي الشعرية... وهو لا يزال يَنشط في كتاباتي ويحركني ويحرضني.

الحداثة الشعرية

• ما مفهومك للحداثة الشعرية في ظل تدرجك في أدوات الشعر المختلفة؟

- فعلا انقدتُ إلى التجريب منذ بداياتي، ولم أنقطع عنه. فالشعر يبقى بالنسبة إلي الذهاب الأبعد مع اللغة، مع التخييل، إلى حيث لم يسبق لها أن كانت، أو اختبرت. وهو ما توفره القصيدة بالنثر أكثر من أي نوع شعري آخر. لهذا ترى شعري يختلط ويتفاعل ويمتزج بأساليب أو بمقومات فنية متأتية من السرد أو المسرح أو اللوحة وغيرها.

جائزة الشيخ زايد

• حصدت أخيرا جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب... ماذا عن كتابك الفائز «الشعر العربي الحديث: قصيدة النثر»؟

- يمثل هذا الكتاب الفائز حلقة في مراجعة واسعة أجريتها في تاريخ الشعر العربي المتأخر. فقد وجدت أن هذا الشعر ليس واحدًا، بل متعدد. وأنه ليس بنمط واحد، وإنما بلغ مراحل، وتجلى في أنماط متباينة. ولفوزي دلالتان أكيدتان: الأولى أن الكتاب الفائز بها يتناول موضوعًا خلافيًا في بعض البلدان العربية، ما يعني أن لجنة الجائزة لم تعبأ بهذا العامل، بل عاملت الكتاب على أساس جودته البحثية. أما الدلالة الثانية فهي أن فوز الكتاب بالجائزة اعتراف غير مباشر بهذا النوع الشعري، ما يشكل موعدًا يمكن الإشارة إليه في اعتراف الثقافة العربية المتعاظم بهذه القصيدة، بشعرائها، وبإنجازاتها.

• برأيك ما الذي تضيفه الجوائز عادة إلى المبدع؟

- تضيف الجائزة، إلى التكريس، عائدًا ماليًا لائقًا يناسب الكاتب والكتاب في مصاعبهما النشرية والتوزيعية.

• هل تراجع الشعر أمام الحضور الكبير للرواية، وصار نصاً نخبويآ؟

- بخلاف ما يقوله كثيرون، أو يعتقدونه. لا أعتقد أن الشعر يتراجع، بدليل ازدياد أعداد الشعراء وتعاظم النشر الشعري. فضلًا عن ذلك، الشعر كان في ماضيه ولا يزال صنيعًا أدبيًا نخبوياً، بخلاف الرواية التي طلبت وتطلب في غالبها الاتساع الجماهيري لقرائها.

كما لا أعتقد أن الرواية تنافس القصيدة، لأنهما نوعان مختلفان، ولا تجوز المقارنة بينهما. فهل يصح في الرياضة، على سبيل المثال، مقارنة لاعب كرة اليد بلاعب كرة القدم؟

الشعر والنقد والرواية

• برأيك ألا تجد تعارضا بين كتابة الشعر والرواية والكتابة النقدية، وفي فلسفة الفن والترجمة والتاريخ؟

- هذا أنا من دون تواضع أو تفاخر. هذا واقع حالي الكتابية، لم أخطط لهذا بصورة عمدية، بل وصلت إليه واعتمدته. هذا لا يزعجني، لكنه يدعوني إلى التقيد بما أجده لازمًا في كتابة أي صنف أدبي أو بحثي منها. لغيري من الدارسين والنقاد أن يتوقفوا عند توفقي أو فشلي في خوض هذه التجارب الكتابية المختلفة، وليس لي.

أنا فرح بما أكتب، إذ يتعدد شغفي الكتابي ويتنوع، وأجد في كل نوع ما يحرضني ويدفعني إلى كتابات أخرى.

• الشعر في عصر المالتيميديا... هل يجد مكانه؟

- الشعر يتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا أمر طيب، ويعني دلالة انفتاح وتطور. يضاف إلى ذلك أن بعض الشعر الحديث يتفاعل مع وسائل التواصل هذه، فيتأثر بها، مما يعني أن الشعر يبقى قريبًا من الحياة نفسها.

• ماذا عن كتاباتك في المرحلة المقبلة؟

- أنهيت أخيرا مجموعة شعر جديدة متأثرة بأدوات التواصل الاجتماعي ومناخاتها. كما أستعد للاحتفال بصدور كتابين جديدين لي: واحد بعنوان: «أثناء القصيدة» عن دار مومنت للكتب والنشر في لندن، والثاني الجزء الأول من سيرتي الذاتية عن دار المتوسط في ميلانو الإيطالية.

الشعر في عصر المالتيميديا أصبح أكثر قرباً من الحياة

صورة الشاعر اللامعة تستفز حماستي نحو التمايز والاختلاف
back to top