الانتخابات حق للشعب
هناك ستة أسباب على الأقل تحتم بذل كل جهد ممكن لإجراء الانتخابات في فلسطين:أولها أن الانتخاب حق مهضوم للشعب الفلسطيني منذ تسع سنوات على الأقل، ولا يستطيع أحد أن ينكر على الشعب الفلسطيني حق اختيار قياداته، ورغم أن الانتخابات وحدها لا تضمن وجود الديمقراطية، فلا يمكن الحديث عن أي ديمقراطية بدون انتخابات دورية تجري في موعدها.السبب الثاني، أن النظام السياسي برمته يعاني أزمة عميقة، لأسباب عدة أولها الانقسام المستمر والمؤسف، ولكن أيضا لعدم وجود مجلس تشريعي فاعل، مما أدى إلى زوال الفصل بين السلطات التنفذية والقضائية والتشريعية.
السبب الثالث، أن غالبية الشعب الفلسطيني ممن هم اليوم في سن الانتخاب، أي جيل الشباب، لم تتح لهم يوما فرصة المشاركة في أي انتخابات ديمقراطية، وغياب المشاركة السياسية ووسائلها جعل كثيرين منهم ينكفئون عن العمل الوطني والسياسي، لشعورهم بالتهميش وانعدام فرص المشاركة في المواقع القيادية، ولا يمكن إعادة اجتذاب الطاقات الشابة للمشاركة في الكفاح الوطني دون إشعارهم بحقهم في المشاركة، وحقهم في المنافسة على المواقع القيادية.رابعا، إن التحديات السياسية التي تواجه الشعب الفلسطيني وأخطرها محاولات تصفية قضيته الوطنية، بما في ذلك عبر ما سمي صفقة القرن، تتطلب تفعيل وتوحيد الطاقات الوطنية، وتمكين البنيان السياسي الداخلي، وذلك مستحيل بدون تمكين وتفعيل مشاركة الشباب والشابات.خامسا، إن حالة الانفصال والانقسام بين الضفة والقطاع وصلت إلى مستوى خطير للغاية، ولا يُخفي فريق ترامب نواياه تكريس انفصال القطاع عن الضفة لكسر المعادلة الديمغرافية، ولتسهيل ضم وتهويد الضفة الغربية، وقتل فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة.وقانونيا هناك اليوم نحو 150 قانوناً أُصدرت في الضفة ولا تطبق في غزة، وعشرات القوانين التي أُصدرت في غزة ولا تطبق في الضفة، وكل ذلك يكرس عملية الفصل الاجتماعي والقانوني، ولا يمكن معالجة ذلك إلا بانتخاب مجلس تشريعي موحد، يراجع كل هذه القوانين ويوحدها في إطار الممارسة الديمقراطية. سادسا، إن استمرار غياب المجلس التشريعي بعد حله، وعدم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية منذ سنوات يضعف الجانب الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، ويستخدمه حكام إسرائيل كالعادة للترويج لادعاءاتهم الكاذبة بأنهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنه لا يوجد من يستطيع تمثيل كل الفلسطينيين.إن الحل الأمثل لإنهاء الانقسام القائم واستعادة الديمقراطية هو تنفيذ اتفاقات المصالحة، دون إبطاء، ولكن إذا كان ذلك مستحيلا، فليتم التوافق الوطني، عبر حوار وطني يضم كل التيارات الفلسطينية، على آلية وطنية موحدة لإجراء الانتخابات بحيث تشمل القدس والضفة الغربية والقطاع دون استثناء. وهذا أمر لا تستطيع تحقيقه لجنة الانتخابات المركزية وحدها، مع التقدير الكبير لدورها، ولا يمكن أن يتم إلا عبر الدعوة للقاء وطني جامع يوفر التوافق الوطني، وربما يفتح الطريق لإنهاء الانقسام واستعادة وحدتنا حول استراتيجية موحدة.هناك أربعة تحديات كبرى تقف أمام، إنجاز الانتخابات الديمقراطية بنجاح: أولها الانقسام الذي يمكن التغلب على معضلته إما بالمصالحه أو التوافق الوطني. وثانيها، معارضة الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس، أو محاولته عرقلة الانتخابات بشكل عام، وذلك يمكن التغلب عليه بجعل الانتخابات في القدس معركة مقاومة شعبية تتوحد فيها كل القوى الفلسطينية وتجرى من خلالها الانتخابات رغم أنف الاحتلال. وثالثها، ضمان نزاهة العملية الانتخابية، وهو أمر لن يتحقق إلا بالقبول الحاسم لمبدأ سيادة القانون وتطبيق ذلك فورا، وبضمان حرية الرأي والتعبير والتنظيم والدعاية السياسية، مع تحريم مطلق لأي شكل من أشكال قمع حرية التعبير أو الاعتقال والقمع لأسباب سياسية. ورابعها، ضمان احترام نتائج الانتخابات وإرادة الشعب، وذلك أمر نستطيع فرضه دوليا وإقليميا إن توافقنا جميعا على احترام تلك النتائج، وأغلقنا الأبواب أمام أي تدخلات إسرائيلية أو إقليمية أو دولية خارجية في شؤوننا الداخلية.هناك أمران محرمان، ولا يجوز القبول بهما مهما كانت الظروف، الأول إجراء انتخابات في الضفة دون القطاع بحجة الانقسام، لأن ذلك سيعني تنفيذ صفقة القرن، وتحويل الانقسام إلى انفصال تام ودائم، والثاني عدم إجراء الانتخابات في القدس، وذلك أمر في غاية الخطورة لأنه سيعني الرضوخ لضم القدس وتهويدها.يمكن للانتخابات، إن صدقت النوايا على إجرائها، أن تمثل رافعة لاستنهاض المشاركة الشعبية، وكسر حالة الإحباط، كما أن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يفتح الباب لاستكمالها بإجراء باقي انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير باعتبار أن أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين سيصبحون أوتوماتيكيا ممثلي الضفة والقدس والقطاع في المجلس الوطني، وذلك من شأنه تفعيل الدور الوطني الجامع لمنظمة التحرير الفلسطينية.الانتخابات حق للشعب، وهي في ظروف الشعب الفلسطيني مهمة وطنية وكفاحية، بقدر ما هي مهمة ديمقراطية.*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية