قبل عقد من الزمان استخدمت الولايات المتحدة التخريب الإلكتروني بدلاً من القنابل لتدمير منشآت التخصيب النووي الإيراني، وردَّت إيران بهجمات إلكترونية دمرت 000 30 جهاز كمبيوتر من شركة أرامكو السعودية، وعطلت البنوك الأميركية. وخلال هذا الصيف، في أعقاب فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات مشددة، أسقطت إيران طائرة استطلاع أميركية بدون طيار، ولم تقع إصابات، وخطط ترامب في البداية لضربة صاروخية ردا على ذلك، لكنه ألغى ذلك في آخر لحظة ليقوم بهجوم سيبراني، دمر قاعدة بيانات رئيسة يستخدمها الجيش الإيراني لاستهداف ناقلات النفط. ومرة أخرى، كان ذلك مكلفا ولكن بدون إصابات، وشنت إيران بعد ذلك، بشكل مباشر أو غير مباشر، هجوما بصواريخ بدون طيار وصواريخ كروز ضد اثنين من المنشآت النفطية السعودية الرئيسة، وبينما يبدو أنه لم تكن هناك إصابات، أو أنه كانت هناك فقط إصابات طفيفة، فإن الهجوم يمثل زيادة كبيرة في التكاليف والمخاطر.

وبالطبع، تفتقر التكنولوجيا السيبرانية إلى الآثار المدمرة الواضحة للأسلحة النووية، وهذا يفرض مجموعة مختلفة من المشاكل، لأنه لا توجد كرة بلورية، فخلال الحرب الباردة، تجنبت القوى العظمى الانخراط المباشر، لكن هذا لا ينطبق على الصراع السيبراني. ومع ذلك، فإن تهديد بيرل هاربرز عبر الإنترنت مبالغ فيه، إذ تحدث معظم النزاعات السيبرانية دون الحد الأدنى الذي تحدده قواعد النزاع المسلح. إنها اقتصادية وسياسية، وليست قاتلة، وليس من المعقول التهديد بالرد النووي على سرقة الملكية الفكرية عبر الإنترنت من قبل الصين، أو التدخل السيبراني في الانتخابات التي تجريها روسيا. ووفقًا للمذهب الأميركي، لا يقتصر الردع على الرد السيبراني، بل سترد الولايات المتحدة على الهجمات الإلكترونية عن طريق المجالات أو القطاعات، بأي أسلحة تختارها، بما يتناسب مع الضرر الذي حدث، وقد يكون ذلك عن طريق الإشهار والفضح، والعقوبات الاقتصادية، والأسلحة الحركية. وإن التداخل التقني بين التسلل إلى الشبكات لجمع المعلومات الاستخباراتية، أو عرقلة الهجمات، أو القيام بعمليات هجومية غالباً ما يجعل التمييز بين التصعيد وإلغاء التصعيد أمرا صعبا، وبدلاً من الاعتماد على المفاوضة الضمنية، كما يؤكد مؤيدو "المشاركة المستمرة" في بعض الأحيان، قد يكون التواصل الصريح ضروريا للحد من التصعيد.

Ad

إن التفاوض بشأن معاهدات تحديد الأسلحة السيبرانية إشكالي، لكن هذا لا يجعل الدبلوماسية مستحيلة، وفي عالم الإنترنت، قد يتقلص الفرق بين ما هو سلاح وما ليس بسلاح إلى سطر واحد من التعليمات البرمجية، أو يمكن استخدام البرنامج نفسه لأغراض مشروعة أو ماكرة، وذلك حسب نية المستخدم، ولكن إذا كان ذلك يجعل من المستحيل التحقق من معاهدات تحديد الأسلحة التقليدية، فقد يظل من الممكن وضع قيود على أنواع معينة من الأهداف المدنية، والتفاوض بشأن قواعد اعتباطية تحد من النزاع.

وعلى أي حال، سيكون من الصعب الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في الفضاء الإلكتروني، ونظرا لأن الابتكار التكنولوجي في هذا فضاء أسرع منه في المجال النووي، فإن الحرب الإلكترونية تتميز بخوف مضاعف من المفاجأة.

ولكن، مع مرور الوقت، قد يؤدي تحسين الأدلة الجنائية إلى تعزيز دور العقاب؛ وقد يعزز تحسين طرق الدفاع عن طريق التشفير أو التعلم الآلي دور الوقاية والإنكار. وفضلا عن ذلك، عندما تدرك الدول والمنظمات جيدا القيود والشكوك التي تكتنف الهجمات السيبرانية، والأهمية المتزايدة لترابط الإنترنت مع رفاهيتها الاقتصادية، قد تتغير حسابات مردودية التكاليف لجدوى الحرب الإلكترونية.

ومع ذلك، فإن مفتاح الردع، وإدارة الصراع، وتراجع التصعيد في عالم الإنترنت في هذه المرحلة، هو الاعتراف بأنه لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه، ولنفعله لتوسيع عملية التواصل بين الأعداء.

* جوزيف س. ناي

* أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب "هل تهم الأخلاق؟" الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب"

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»