خطة إردوغان لإعادة توطين اللاجئين السوريين... مشروع قابل للتنفيذ
في 24 سبتمبر طرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ما اعتُبِر مشروعاً غير مسبوق لإنشاء بلدات للاجئين في المناطق السورية التي تشهد عملية «نبع السلام» التركية.بعد مرور أسبوع، كشف إردوغان تفاصيل مشروعه المثير للفضول، فقال في خطابه أمام البرلمان: «حضّرنا الخطط اللازمة. بدعمٍ من المجتمع الدولي، سنعيد توطين مليون شخص في 140 قرية فيها 5 آلاف نسمة وفي 50 مقاطعة فيها 30 ألف نسمة. سبق أن بدأت التحضيرات لبناء بلدات ومقاطعات جديدة، ويجري العمل على تحديد المواقع واحتساب التكاليف».أعلن إردوغان أيضاً أن 370 ألف لاجئ عادوا إلى شمال غربي عفرين وجرابلس في سورية، لكن يبرز اختلاف مهم في هذا المجال، فقد عاد هؤلاء اللاجئون إلى بلداتهم الأم، حيث تعيش عائلاتهم وتكثر معارفهم، أما خطط إردوغان، فتقضي بإنشاء مستوطنات جديدة لأعداد هائلة من اللاجئين بعدما هربوا من بلداتهم في حلب وإدلب ومناطق سورية أخرى.
وعلى عكس منطقة شمال غربي سورية، حيث انتهت معظم المعارك تقريباً، بدأت المعركة في المناطق الشمالية الشرقية للتو بعد انطلاق العملية العسكرية التركية ضد الجماعات الكردية التي تعتبرها أنقرة تهديداً على الأمن القومي التركي. لكن يلفت الخبراء وجماعات حقوق الإنسان إلى أن المشروع التركي ينتهك عدداً من القوانين الدولية المرتبطة بحقوق اللاجئين.يصرّح الخبير في شؤون اللاجئين، ميتين كوراباتير، لموقع «المونيتور»: «حتى لو نجحت تركيا في السيطرة على المنطقة، فلا مفر من نشوء تداعيات غير مباشرة، منها عمليات انتحارية محتملة، ولن تصبح هذه المنطقة آمنة، ولا شك أن معظم الناس لن يذهبوا إليها طوعاً».لكن ماذا لو حاولت الحكومة التركية ترحيل اللاجئين بالقوة، كما فعلت في أواخر شهر يوليو، بعد الانتخابات المحلية؟ أدى اللاجئون السوريون دوراً محورياً في الانتخابات البلدية حيث تكبّد «حزب العدالة والتنمية» الحاكم خسائر كبرى.يقول كوراباتير، وهو رئيس «مركز الأبحاث حول اللجوء والهجرة» والمتحدث السابق باسم تركيا في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إن عمليات الترحيل القسرية تخالف القوانين الدولية وسياسة «الحدود المفتوحة» التي تتبناها تركيا: «قد يختار مئات آلاف اللاجئين العودة، لكن لن يصل عددهم إلى الملايين. ربما تنجح تركيا في إنشاء منطقة آمنة لضمان سلامتها الخاصة، لكنّ ذلك المكان لا يناسب المدنيين واللاجئين». يتعلق مصدر قلق آخر بالمحاولات التركية الرامية إلى تغيير «الهندسة الديمغرافية» في المنطقة، ففي 10 أكتوبر، عبّر نواب من «حزب الشعوب الديمقراطي» الموالي للأكراد عن هذه المخاوف خلال التصويت على اقتراح توسيع صلاحية الحكومة لإطلاق عمليات عسكرية عابرة للحدود في العراق وسورية لسنة إضافية.قال النائب ساروهان أولوك، من «حزب الشعوب الديمقراطي»، خلال نقاش في البرلمان: «يعيش خمسة ملايين شخص في تلك المنطقة أصلاً... عند تجاهل هذا الواقع لتسهيل التغيير الديمغرافي، لا مفر من نشوء عواقب وخيمة».وأعلن هسيار أوزوي، نائب آخر من الحزب نفسه: «يُفترض أن يعود الناس القادمون من تل أبيض إلى تل أبيض، ومن سرقانيا إلى سرقانيا، وإذا كنتم تخططون لجلب أشخاص من حماة وحمص ودير الزور والرقة وأي بلدات أخرى إلى هذه المنطقة للاستقرار فيها، فسترتكبون بذلك جريمة حقيقية». ورداً على هذه الانتقادات، يقول عصمت يلماز، نائب عن «حزب العدالة والتنمية» ووزير الدفاع التركي السابق، إن المنطقة المرتقبة ستكون «ملاذاً آمناً» للاجئين.من الواضح أن الأكراد واللاجئين السوريين لا يحبذون خطة التوطين الجديدة التي طرحها إردوغان، لكنها انعكست إيجاباً على سوق البناء في تركيا. يقول الصحافي المالي المخضرم محمد فيليغلو إن قيمة أسهم شركات الإسمنت في جنوبي تركيا وجنوب شرقها ارتفعت بنسبة 30% تقريباً بعد تصريح إردوغان: «زادت القيمة السوقية لأسهم شركة «ماردين سيمنتو» مثلاً بنسبة 41% خلال يومين (7 و8 أكتوبر). من الواضح إذاً أن الخطة تهدف إلى تنشيط قطاع البناء».لكن ما كلفة المشروع التركي الذي يقضي ببناء بلدات للاجئين ومن سيدفع ثمنه؟ من المنتظر أن تتوقف مليارات الدولارات التي كان يقدمها الاتحاد الأوروبي لتركيا للتعامل مع اللاجئين في السنة المقبلة.طلب إردوغان من الاتحاد الأوروبي زيادة دعمه له وهدّد بفتح الحدود أمام السوريين للذهاب إلى أوروبا في حال رُفِض طلبه. كذلك، هاجم الرئيس التركي، في 10 أكتوبر، انتقادات الاتحاد الأوروبي لعملية «نبع السلام» قائلاً: «سنفتح البوابات ونرسل 3.6 ملايين لاجئ نحوكم».وأكد كوراباتير بدوره ضرورة أن تُكثّف أوروبا دعمها لتركيا، لكنّ أسبابه تختلف بالكامل عن أسباب إردوغان: «يُفترض أن يتمكن 3.6 ملايين سوري من متابعة العيش في تركيا حتى تجدّد السلام في سورية... ويجب أن تطلب تركيا دعماً إضافياً من أوروبا لتحقيق هذا الهدف».* «سيبال هورتاس»