في 30 سبتمبر من كل عام، يحتفل العالم بـ "اليوم العالمي للترجمة"، وذلك برعاية "الاتحاد الدولي للمترجمين"، وقد سرى هذا الاحتفال منذ عام 1991. وإذا كانت الترجمة قد شكّلت عبر المسيرة البشرية جسراً بين شعوب ومعارف وخبرات العالم من أقصاه إلى أقصاه، فلقد باتت اليوم حدثاً لحظياً متجدداً وحاضراً في مختلف مناحي الحياة.
إن الترجمة، في أحد وجوهها، هي انكشاف على الآخر، بفكره وعلمه وطباعه وخصائص حياته وبيئاته، بما يؤكد على معرفة وامتلاك المشترك الإنساني بين مختلف شعوب الأرض. وإذا كانت الترجمة العربية الحديثة، وتحديداً الترجمة الأدبية في المسرح والشعر والقصة والرواية والتاريخ، قد انشغلت بالترجمة إلى العربية، منذ بدايات القرن العشرين، ومن مختلف لغات العالم، فإن رصيداً معرفياً كبيراً قد توفر للدارس والمثقف العربي، مما مكّن العربي من التواصل المعرفي مع الآخر، حيث كان هذا الآخر. لكن، ما بات واضحاً وجلياً هو أن حركة الترجمة من العربية، كانت ولم تزل، عرجاء تعمل باتجاه واحد هو ترجمة الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية. وهذا جهد مهم، لكن المهم أيضاً هو وجود حركة ترجمة عربية منظّمة لترجمة الآداب العربية، قديمها وحديثها إلى اللغات الأخرى.إن مراكز ترجمة عربية متناثرة على طول الوطن العربي وعرضه، وجهوداً فردية في الترجمة؛ لا يمكن أن تؤدي إلى نقل الأدب العربي إلى الآخر، خاصة أن صورة الإنسان العربي والإنسان المسلم هي صورة مشوّهة يشوبها ألف خراب وخراب، وعلى رأس تلك الخرابات تأتي صورة العربي البدوي، الذي ما زال هناك منْ يعتقد أنه يعيش في خيمة ويستعمل الجِمال في ترحاله، أو ذلك العربي الغني الذي يمتلك بئر بترول في الساحة الخلفية لبيته، وأخيراً صورة العربي التي تتداخل مع المسلم الإرهابي القاتل. وهذه صورة تغذيها آلة الإعلام الغربي ليل نهار، ويغذيها أكثر الفعل الإرهابي لبعض مدعي الإسلام، على طول وعرض العالم، بسلوكيات وحشية تتراوح بين القتل والتفجير والاغتصاب. إن الملاحظ اليوم- مع ازدياد دور النشر العربية، ومع ازدياد الإقبال على الكتاب، والكتاب الأدبي تحديداً- وجود جيل من المترجمين الشباب في مختلف الأقطار العربية. شباب يرى بعضهم في الترجمة أمراً هيناً، ويرى في ترجمة رواية أو مجموعة قصصية أو ديوان شعر، ممارسة ممتعة تدر عليه بعض المال. لكن الملاحظة الصارخة أيضاً، هو أن بعض هذه الترجمات لا علاقة لها بالترجمة الأدبية، وهي أبعد ما تكون عن روح النص الأصلي. فمن يترجم من أي لغة عليه بداهة أن يتعمق في عوالم تلك اللغة وبيئاتها المختلفة، وأن يدرك أن للكلام مستويات عدة، أبسطها وأقلها أهمية هو المستوى الظاهر على سطح النص، وأهمها ذاك القابع خلف عالم البلد المترجم منه.أتكلم من واقع تجربة شخصية، بأنني بت أرى عشرات، إن لم يكن مئات، الترجمات لروايات ومجاميع قصصية وكتب سير ذاتية، لأسماء لم أسمع بها، وليس هناك أي تعريف من قبل الناشر بها. وبالتالي أقف متردداً أمام اقتناء الكتاب أو تركه إلى كتاب آخر. أنا وجيلي تتلمذنا على ترجمات رصينة لكتّاب عرب نذروا أعمارهم للعلم والتعلم والترجمة، وكلنا يذكر ترجمات سامي الدروبي وإحسان عباس وسلمى الجيوشي، وغيرهم كثير، بينما تملأ أرفف المكتبات اليوم ترجمات جديدة لأجيال من الشباب العربي، الذي لا نعرف ولا ندري مدى مقدرته الحقيقية على الترجمة، كما نقف كثيراً أمام انصراف الجهد الفردي وكذا الجماعي عن ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، وبُعد المؤسسات والناشر العربي عن أي شركات مع ناشرين أجانب لترويج الأدب العربي وتقديمه بأفضل صورة للقارئ الآخر.الترجمة جسر، ولا أدري إلى متى نبقى بترجمة عرجاء، نعبر الجسر من جهة واحدة!
توابل - ثقافات
ترجمة عرجاء!
16-10-2019