ثقافة الخصومة... والأحكام المسبقة
![محمد المقاطع](https://www.aljarida.com/uploads/authors/21_1703694711.jpg)
ولذلك فإن وزن العملية العسكرية التركية في سورية بميزان الموضوعية، يكشف أنها عملية جليلة ومعتبرة تدعمنا إسلامياً، وتقوينا قومياً، وتؤمننا وطنياً، في وجه الظلم ومحاولات التصفية والقضاء علينا كسُنة وعرب في آن واحد. إن نبل هذه العملية الإنسانية، وما تحققه من غايات بعيدة يستوجبان موقفاً إيجابياً وداعماً، لا موقفاً عدائياً وشاجباً، إن بيان الجامعة العربية، الذي فرضته وسيَّرته قوى كبرى، ونفذته وانصاعت إليه دولنا العربية من منطلقات الخصومة المسبقة لتركيا، موقف خاطئ وجانبه الصواب جملة وتفصيلاً.الموقف العام من تركيا ينبغي أن يبنى على الحنكة وبُعد النظر، وبصورة متوازنة، فتركيا اليوم وضعها مختلف وأداؤها متباين عما سبق، فهي لم تعد تركيا العنصرية الصرفة، فهي تسعى إلى تقوية الأتراك نعم، وهذا حق مشروع، لكنها في الوقت ذاته تلعب دوراً محورياً ومتقدماً في حماية الدين الإسلامي السني، إلى جوار الدعم المباشر للعرب، لكوننا أقرب حليف لها، ونتشارك معها في كثير من القواسم والمصالح المشتركة، وهو ما يستوجب أن يكون حكمنا عليها وموقفنا منها متوازناً وموضوعياً ولا ينطلق من موقف الخصومة المسبقة.إن تعقب المواقف الحقيقية للدول العربية، ومعها النخب السياسية، يبرهن على تباين حقيقي في الموقف من تركيا، فهناك كتلة موقف العداء والحكم المسبق، وهي التي تقود الموقف العام الذي يطلق أحكاماً سلبية ومسبقة على تركيا، بينما هناك كتلة الانفتاح والتعاون مع تركيا، وتمثلها سبع دول تصدر مواقفها من تركيا على استحياء، كي لا تخسر كتلة العداء المسبق، وأخيراً هناك كتلة الحياد التي تقف حائرة وتظهر تردداً واضحاً في موقفها من تركيا، وتلمس ذلك من طبيعة اللغة المستخدمة في بياناتها تجاه عملية "نبع السلام"، وهذا الانقسام الثلاثي تلمسه أيضاً لدى النخب المثقفة والسياسية، مع ملاحظة وجود آراء وأقلام مأجورة تدس السم في العسل من منطلق طائفي، لكن مما يؤسف له أننا بصورة عامة أسرى لموقف الخصومة المسبقة من تركيا، مما يدفعنا إلى حالة الإدانة والحكم المسبق، بعيداً عن الموضوعية والتوازن.