لماذا تدير البنوك المركزية ظهرها للدولار؟

نشر في 17-10-2019
آخر تحديث 17-10-2019 | 00:02
لماذا تدير البنوك المركزية ظهرها للدولار؟
لماذا تدير البنوك المركزية ظهرها للدولار؟
بما أن الدولار العملة المهيمنة في تسوية المعاملات الدولية ونحو ثلثي إصدارات الأوراق المالية العالمية مقومة به، فإن ذلك يجعل التطورات الاقتصادية في الولايات المتحدة محركا رئيسيا للسياسة النقدية في أماكن أخرى، خاصة الأسواق الناشئة.
يحظى الدولار الأميركي بالنفوذ الأكبر في الأسواق العالمية وعالم التمويل منذ فترة طويلة، ورغم دوره الرئيسي في التجارة الدولية، والذي من غير المرجح أن يتلاشى في وقت قريب، فإن مملكة العملة الخضراء بدأت تظهر بعض الضعف.

خضع الدولار مؤخرا لانتقادات كثيرة من جهات رسمية دولية وغير رسمية، ويرى منتقدون أن الطريقة التي تستغل بها واشنطن نفوذها في النظام المالي، تعد سببا في استياء أطراف دولية عدة، وتدفع نحو استحداث أنظمة بديلة لا تكون العملة الأميركية محورها.

على سبيل المثال، تحاول أوروبا استخدام نظام يطلق عليه «إنستكس» لتسوية المعاملات بين المصدرين والمستوردين، بعيدا عن النظام المالي العالمي التقليدي، بالاعتماد على آليات تشبه إلى حد كبير طريقة المقايضة.

تراجع محدود لكنه مثير

- تشير أحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي حول احتياطيات البنوك المركزية إلى تحول طفيف بعيدا عن الدولار، ما يراه محللون إشارة إلى إعادة التفكير في المخاطر السياسية المرتبطة بالأصول الأميركية.

- قال كبير المحللين الاستراتيجيين لدى «دويتشه بنك» في نيويورك، «آلان روسكين»: تحد البنوك المركزية من النفوذ المنقطع النظير للدولار الأميركي، ويبدو أن السياسة تتجه نحو تحدي هذه العملة المهيمنة.

- في تقريره الفصلي عن احتياطيات البنوك المركزية الصادر الشهر الماضي، قال صندوق النقد الدولي، إن حصة الدولار من السوق العالمي كانت أقل من 62 في المئة خلال الربع الثاني من هذا العام، بانخفاض نسبته 0.76 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي.

- وفقا لـ «روسكين» فإنه رغم تواضع نسبة التراجع يبدو الأمر خداعا، فالدولار كان العملة ذات العائد الأعلى في البلدان المتقدمة خلال الربع المشار إليه، ومن الناحية النظرية، كان من المفترض أن يغري ذلك الاستثمار فيه بوتيرة أكبر من العملات الأخرى.

- بدلًا من ذلك، جمع مديرو احتياطيات البنوك المركزية، الذين يشكلون قوة هائلة في الأسواق العالمية، ما نسبته 3.5 في المئة من الدولارات الإضافية لسلة عملاتهم على مدار العام، مقارنة بـ17 في المئة لليوان الصيني، وحتى 8 في المئة للجنيه الإسترليني رغم مخاطر «بريكست».

ماذا عن المستقبل؟

- يرى محافظ بنك إنكلترا مارك كارني، أن وضع الدولار كعملة احتياط عالمية يواجه تحديات، وأنه من الممكن استبداله من خلال عملة رقمية بديلة لإنهاء تخمة الادخار التي أدت إلى 10 سنوات من التضخم المنخفض وأسعار الفائدة المتدنية للغاية.

- وأشار رئيس البنك المركزي البريطاني إلى أن الدولار الأميركي وصل إلى مستوى من الهيمنة تجعله عائقا أمام تحقيق الانتعاش المستدام، لافتا إلى أن عملية الاستبدال ستكون على غرار ما حدث عند التحول من هيمنة الجنيه الإسترليني في أسواق المال الدولية قبل 100 عام.

- من جانبه، قال الرئيس السابق لمجموعة الأسواق التابعة للفدرالي في نيويورك سيمون بوتر، إنه على يقين من عدم إمكانية اكتساب أي عملة رقمية لقوة أكبر من الدولار أو بما يكفي لدعم الاقتصادات العالمية، مضيفا أن العملة الأميركية بالغة الأهمية بالنسبة للدول الأخرى.

- مع ذلك، فإن كارني يرى أن العملة الرقمية الجديدة التي قد تحظى بدعم مجموعة كبيرة من الحكومات (بما في ذلك عملة «ليبرا» التابعة لـ «فيسبوك») ستدفع البلدان إلى تحرير ما تحتفظ به من دولارات كوسيلة أمان للأوقات العصيبة.

- لكن بعيدا عن حرب التصريحات بشأن المستقبل، يرى «روسكين» أن انخفاض حصة الدولار من الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية، يعني تصويت القطاع الرسمي ضد الاستثناء والنفوذ الأميركي.

منافسة ناشئة ضد هيمنة الدولار

- يرى المحللون أمثال «روسكين» أن هذه البيانات يجب أن تستوقف صناع السياسات الأميركيين الذين يفكرون في قوانين لفرض ضرائب على مشتريات الأجانب من الأصول الأميركية، وفرض المزيد من العقوبات عبر النظام الدولي القائم على الدولار، وكذلك خطط تقييد الوصول إلى أسواق رأس المال الأميركية.

- كل هذه الخطط من شأنها إضعاف تأثير الدولار، وبما أنه العملة المهيمنة في تسوية المعاملات الدولية ونحو ثلثي إصدارات الأوراق المالية العالمية مقومة به، فإن ذلك يجعل التطورات الاقتصادية في الولايات المتحدة محركا رئيسيا للسياسة النقدية في أماكن أخرى، خاصة الأسواق الناشئة.

- وفقا لمصرف «غولدمان ساكس» فإن احتياطيات الدولار تراجعت بنحو أربع نقاط مئوية خلال عامي 2017 و2018، وفي الوقت نفسه واصل مديرو الاحتياطيات إضافة اليوان الصين والين الياباني إلى حيازاتهم، خاصة في البلدان التي تربطها علاقات سياسية متوترة مع واشنطن.

- قال محللو المصرف: حتى الآن كانت هذه التدفقات مركزة في أماكن محدودة، حيث شكلت روسيا 70 في المئة من الطلب على اليوان في عام 2018، وشكلت البرازيل وتشيلي 40 في المئة من الطلب عليه منذ بداية العام الجاري.

- من ناحية أخرى، كشف تقرير مشترك لمجلس الذهب العالمي ومركز «أو إم إف آي إف» للأبحاث، أن مشتريات البنوك المركزية للمعدن الأصفر بلغت مستويات لم تر منذ العمل باتفاقية «بريتون وودز».

رئيس البنك المركزي البريطاني أشار إلى أن الدولار وصل إلى مستوى من الهيمنة تجعله عائقا أمام تحقيق الانتعاش المستدام
back to top