تسمعه يطلق عبارات يتشدق بها، ويرسم هيئة المثقف المطلع، ثم يطلق زفيراً ويقول: الصحافة انتهت، ويضيف: لا أحد يقرأ الصحافة الورقية، وطبعاً هناك فرق بين المؤسسة الصحافية والوسيلة التي تظهر بها عملها، وحقيقة إن الصحافة الورقية تشهد مشاكل كبرى، لكن عمل المؤسسات الصحافية شيء آخر، فمازالت غالبية الأخبار والتحقيقات الإعلامية تتم عبر الصحافة التقليدية، لكنه يظل ذلك المتفذلك يردد على الإعلاميين أن يتأقلموا مع وسائل التكنولوجيا الجديدة.معظم المؤسسات الصحافية تستخدم حالياً التكنولوجيا الحديثة لنشر أعدادها عبر جميع وسائل التواصل الاجتماعي تقريباً، وتتفاعل مع متابعيها إلكترونياً، لكن مازال البعض يردد أن تطبيق "تويتر" سيلغي المؤسسات الصحافية، وهو كلام غير دقيق، فماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن يذهب محاسب أو طبيب لديه حساب في "تويتر" إلى مؤتمر صحافي لينقله للناس عبر حسابه؟! أو أن نجاراً - مع احترامي الشديد لتلك المهنة - سيكتب تحليلاً سياسياً أو تحقيقاً صحافياً مهنياً يخدم فيه قضية ما أو يوضح ملابساتها للناس.
الحقيقة أن كل الدول راعية التكنولوجيا وصانعتها مازالت المؤسسات الصحافية التقليدية مهمة بها، ويتابعها الناس كـ "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" الأميركيتين، و"الصن" و"الغارديان" البريطانيتين و"ألبايس" الإسبانية... إلخ، لأن الناس هناك لا يستغنون عن الخبر والرأي المهني بكلام مرسل بلا ضوابط ولا قواعد مهنية وأخلاقية من أفراد على "تويتر" و"فيسبوك"، ومازال الكتاب والمعلقون السياسيون والقانونيون ونقاد الأدب ومحللو الأنشطة المحترفون يتابعون ويقرأ لهم بانتظام هناك.مشكلتنا في أننا كنا ومازلنا نعاني ضعف القراءة والاطلاع عند الفرد العربي، وعندما أتت وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الهواتف المحمولة بدأ الناس يقرأون، ولكن نصوصاً صغيرة لإشاعات ونكت وسخافات مختلفة، وابتعد من كانوا يطلعون ويقرأون لصالح تلك التعليقات والنصوص التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون أي مسؤولية مهنية، وربما يكون هناك سبب آخر، وهو بعد معظم وسائل الإعلام العربية عن تمثيل المواطن العربي وتطلعاته وآرائه، ولكن هذا لا يعني أن المؤسسات الإعلامية ستختفي بسبب أزمة الصحافة الورقية.
أخر كلام
هل ماتت المؤسسات الصحافية؟!
17-10-2019