في 4 أكتوبر قررت محكمة مكافحة الإرهاب في باكستان تبرئة القائد المزعوم لحركة «طالبان باكستان»، رحمن حسين، من قضايا مرتبطة بحيازة الأسلحة والمتفجرات.كان حسين مرتبطاً بفصيلة فضل الله التي تشتق من «طالبان باكستان» وسُمّيت تيمناً بقائدها السابق المُلا فضل الله، وقد صنّفت الولايات المتحدة خلفه نور والي محسود إرهابياً عالمياً في الشهر الماضي.
قبل أيام على إقرار العقوبات الأميركية ضد محسود، اعتُقِل مقاتلان مزعومان في «طالبان باكستان» في مدينة جوجرانوالا، في إقليم البنجاب، وفي شهر أبريل، اعتُقِل ثلاثة أعضاء آخرين من الحركة في فيصل آباد، ثالث أكبر مدينة باكستانية من حيث الاكتظاظ السكاني.بدأت «طالبان باكستان» تظهر في نشرات الأخبار مجدداً بعدما توارت عن الأنظار غداة عملية «ضرب عضب» في عام 2014، إذ استهدفت تلك العملية حركة «طالبان» الباكستانية وفروعها التي انتقلت من جنوب وزيرستان إلى شمالها غداة عملية «راح النجاة» في عام 2009.تكشف أحدث التقارير فشل خطط «طالبان باكستان» في البنجاب، لكن يقع مخبأ الجماعة الأساسي في «المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية» السابقة، علماً أنها تستعد راهناً للاندماج مع خيبر باختونخوا، بعدما ألغى التعديل الخامس والعشرون في الدستور الباكستاني أخيراً «تنظيم جرائم الحدود» الصارم الذي يعود إلى حقبة الاستعمار في المناطق القبلية.في الأشهر الأخيرة، فرضت «طالبان باكستان» وجودها في المناطق القبلية عبر استهداف حواجز التفتيش بالعبوات الناسفة، لكن ظهر أخطر مؤشر على تنامي نفوذها على الأرجح في بداية شهر أغسطس، حين أصدرت تحذيراً خطياً للسكان المحليين في ميران شاه، حيث تطالب بحظر الموسيقى ولقاحات شلل الأطفال ومنع خروج النساء من دون محرم.في حين تُهدد «طالبان باكستان» السكان علناً في المناطق التي سيطرت عليها في ذروة نفوذها، تنشغل الدولة الباكستانية باستعراض نجاحاتها في تلك المناطق نفسها، وفي غضون ذلك صرّح رئيس الوزراء عمران خان أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، خلال الشهر الماضي، بأن الحكومة تعمل على تسييج الحدود الأفغانية الباكستانية، باعتباره حلاً طويل الأمد، وادّعت الحكومة الباكستانية تسييج 643 كيلومتراً من أصل 2611 في نهاية السنة الماضية، وقد أقيم خلال تلك الفترة 233 حاجز تفتيش حدودي من أصل 843، ومن المنتظر أن ينتهي تسييج الحدود بحلول السنة المقبلة، لكن يشكك منتقدو الحكومة بنوايا الدولة في تلك المنطقة المتقلبة.نشأت في السنة الماضية حركة للدفاع عن الحقوق، احتجاجاً على مقتل الشاب نقيب الله محسود في كراتشي على يد الشرطة التي حاولت تغطية عملية القتل خارج نطاق القضاء عبر اعتبار محسود مقاتلاً متطرفاً، لكن هذه «الادعاءات المزيفة» أدت إلى ظهور «حركة حماية البشتون»، ومنذ ذلك الحين، تحولت هذه الحركة إلى حزب سياسي، وشملت لائحة مطالبها إزالة الألغام وحواجز التفتيش وعودة المفقودين من المناطق القبلية.نظّمت «حركة حماية البشتون»، بقيادة منذور بشتين، عدداً من المسيرات الناجحة في أنحاء باكستان، وانتخُب عضوان منها، محسن دوار وعلي وزير، في الجمعية الوطنية خلال الانتخابات العامة لعام 2018.في 20 يوليو، شهدت المنطقة القبلية انتخابات في 16 دائرة، وتنافس حينها مرشحون من «حركة الإنصاف» الباكستانية، و»جمعية علماء الإسلام»، و»حزب الشعب الباكستاني»، و»رابطة مسلمي باكستان»، جناح نواز، و»حركة حماية البشتون».على غرار ما حصل في الانتخابات العامة، انتشرت ادعاءات واسعة النطاق عن تأثير الطبقة الحاكمة على مسار الانتخابات، واعتبر النقاد أن «حركة حماية البشتون» تعرضت للتهميش، نظراً إلى اعتقال محسن دوار وعلي وزير قبل الانتخابات، حبث اعتُقِل هذان الرجلان بعد وقوع اشتباك في منطقة خار قمر في شمال وزيرستان بين ضباط من الجيش ومحتجين من الحركة في 26 مايو.يكشف ذلك الاشتباك أن العمليات العسكرية في المناطق القبلية سيف ذو حدين، ورغم انحسار الحوادث الإرهابية، انتقد مختلف القادة السياسيين والناشطين وسواهم طريقة تنفيذ العمليات العسكرية في المنطقة.بعدما تعهد رئيس الوزراء خان بمساعدة الولايات المتحدة للتعامل مع حركة «طالبان» الأفغانية خلال اجتماعاته مع دونالد ترامب في يوليو وسبتمبر، قد تعود حركة «طالبان باكستان» إلى الواجهة بصفتها جهة استراتيجية مؤثرة في ممر السلطة المتّصل بكابول.تظن عائشة صديقا، كاتبة Military Inc.: Inside Pakistan’s Military Economy (شركة عسكرية: داخل الاقتصاد العسكري في باكستان)، أن المناطق القبلية «ستخضع لإرادة القوى النافذة فيها»، بغض النظر عن تأثير «المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية» السابقة. وتوضح صديقا: «لم تكن عودة «طالبان باكستان» إلى المناطق القبلية غريبة لأن الجيش الباكستاني كان على ارتباط بها دوماً. لطالما حاولت «حركة حماية البشتون» تسليط الضوء على هذه الحقيقة، فحركة «طالبان» موجودة هناك لأن الجيش سمح بذلك، وأخاف من ذلك اليوم الذي يترك فيه الأميركيون أفغانستان بيد «طالبان»، إذ ستواجه باكستان حينها أسوأ العواقب».تظن الناشطة القبلية والمدوِّنة منى أورانجزيب أن خلايا «طالبان باكستان» كانت موجودة دوماً في المنطقة: «هم يتلقون الدعم الاستراتيجي اللازم حتى الآن. صحيح أن «حركة حماية البشتون» حاربت لكسب مساحة استراتيجية معينة وتحدّت مكانة المناطق القبلية، فتراجعت «طالبان باكستان» نتيجةً لذلك، لكن لا تزال المنطقة ساحة لجميع الحروب بالوكالة، مثل أفغانستان، وربما كشمير مستقبلاً. أمام التطورات الحاصلة في السياسة الإقليمية، من الواضح أن «طالبان» باتت تُعتبر الجهة الصالحة الآن بنظر الأميركيين، ومن المتوقع أن تؤدي «طالبان باكستان» دوراً محورياً في أي تسوية أفغانية مستقبلية أيضاً».يقول الملازم طلعت مسعود، الأمين السابق لوزارة الإنتاج الدفاعي في باكستان، إن قيادة «طالبان باكستان» تقع في أفغانستان وتحظى برعاية «مباشرة أو غير مباشرة» من «طالبان» الأفغانية: «تستفيد «طالبان» الباكستانية من الدعم والأمان في أفغانستان. ومن المتوقع أن يتوسع حضور «طالبان باكستان» في المناطق القبلية، علماً أنها الحاكمة الفعلية هناك، وستستهدف الحركة مناطق باكستانية أخرى أيضاً؛ لذا لن يكون دعم «طالبان» الأفغانية في مصلحة باكستان، ويجب ألا يسمحوا لتلك الحركة بفرض وجودها في أفغانستان لأن هذا التطور سينعكس سلباً على باكستان، وتُعتبر عودة حركة «طالبان باكستان» إلى الواجهة إثباتاً حياً على ذلك».
دوليات
حركة طالبان باكستان تعود إلى الواجهة
18-10-2019