لم يزدهر أدب الطفل العربي يوماً كما هو اليوم، فهذا النوع من الأدب- رغم كل التحديات- ثابت ومتطور، ويتقدم بخطى وئيدة بين أبنائه ومريديه بفضل التضحيات التي يقدمها رجاله، فالأبحاث المصاحبة لأدب الطفل تترى وتتكاثر من جامعة إلى جامعة ومن مدرسة إلى مدرسة، من أقصى الشرق العربي إلى أقصى غربه، فما يمضي يوم حتى نرى إنتاجاً جديداً، ونشهد معارض الكتاب والمكتبات والجامعات والمراكز البحثية التي تعمل للنهوض بهذا النوع من الأدب الموجه للأطفال العرب. كما لا يخفى أن الطفل العربي بات اليوم قارئاً وبعدة لغات، وعندما نرتاد معرض الكتاب نجد الأطفال مقبلين على الكتاب بكل اهتمام، عربيا كان أم أجنبيا، المهم أنه يقرأ ويستمتع ويستفيد.
ولا مراء في اتهام أطفال اليوم بأنهم لا يقرؤون، فكل الناس وفي كل الأزمان هناك منهم من يقرأ ومن لا يحب القراءة، غير أن أطفالنا اليوم لديهم مساحات قرائية أوفر من أي وقت مضى، لم تكن متاحة لأجيال وأجيال من الأطفال على مدى التاريخ تشجعهم على القراءة بكل أشكالها البصرية والسمعية، فمن الكتب الوثيرة والوفيرة بأشكالها الملونة والمزخرفة، إلى وسائط التواصل الاجتماعي وشاشات الأجهزة النقالة الجذابة، إلى قنوات الفضاء المختلفة الساحرة بما تقدم من أدب طفولي مرئي منوع. وإن كان كثير من خطواتها لم تزل في بدايتها فإنها قطعت مساحات رحيبة، وفي كل اتجاه، حتى بات الطفل اليوم يمتلك الكثير من أدوات الثقافية الهائلة التي تفتح أمامه آفاق الفكر والتنوير من أوسع الأبواب. ومن غمط الحق أن ننكر جهود الناشرين الأدباء والرسامين والفنانين والمسرحيين والمخرجين وكل العاملين في مجال النشر الموجه للطفولة ومتاجر الكتب والمكتبات العامة والخاصة، ولا سيما بعد اقتحامهم عالم الإنترنت، واقتراب الأدباء من الأطفال بشكل لم يسبق له مثيل، بحيث بات بإمكان الأطفال التواصل مباشرة مع الأدباء المعاصرين المفضلين لديهم، من خلال وسائط التواصل، كما يمكنهم بكل بساطة متابعتهم من خلال هذه الوسائط، والاطلاع على مؤلفاتهم أولاً بأول، كما يمكن مشاهدة ملايين الأفلام والأناشيد والرسوم المتحركة وكل ما يهم الطفل عبر مواقع متخصصة بذلك، دون عناء.كما بإمكان الأطفال تنزيل بعض التطبيقات الإلكترونية الهادفة، ودخول عشرات مواقع بل مئات المجلات الإلكترونية ومواقع الطفل التفاعلية العربية والأجنبية بلمسة زر.المشكلة ليست بالأدب نفسه، وبالجهود الكثيرة، المشكلة في مكان آخر، فالإبداع العربي متواصل، والإنتاج العربي لا يتوقف، لكن المشكلة هناك، حيث نحتاج إلى نشر الوعي بأهمية هذا الأدب بين الكبار والصغار، فعندما ينتشر الوعي بذلك بينهم لن يكون بعد ذلك الأمر عسيراً، بل تمهد كل الطرق في وجه الإبداع الأدبي دون مصدات تجعل جركة الجهود آنية وبطيئة ومحدودة. والوعي المقصود هو الوعي المجتمعي الكامل، فلا يكفي أن نصدر مجلة للأطفال ولا نجد من يذود عنها، ولا يكفي أن نقيم قناة للأطفال دون عناصر نجاحها وتأثيرها، لكن هل نستطيع أن نطالب المجتمعات بالوعي الطفولة في حين الأوعية الأخرى فارغة؟لذا علينا أن نملأ الأوعية الأخرى لنصل إلى الوعاء الطفولي، فهو الوعاء الأرقى والأكثر علوا من كل الأوعية، لكن بما أن الوعاء الذي نقصده رفيع المكانة؛ فمن النادر أن نرى من يرى هذا؟!
مقالات - اضافات
الوعاء الطفولي متى يمتلئ؟
18-10-2019