النسوة... والزواج
زرت الولايات المتحدة مرّات عدة وكان من عادتي تبادل الأحاديث اللطيفة مع المواطنات الأميركيات، وكثيرا ما كنت ألاقي منهن انتقادات عن وضع المرأة العربية لعل أبرزها سؤال: لماذا لا تملك المرأة عندكم الحرية الجنسية؟ فأطلب منهن أن يحدثنني في المقابل عن معاناة الأم العزباء (single mama) فيخبرنني عن مدى الكفاح التي تكابده من أجل توفير حياة كريمة لابنها أو ابنتها لأن الأب تخلف عن تحمل مسؤوليته نحوهما، فتضطر بعضهن للتخلي عن دراستها والعمل في وظيفة لا تحقق طموحها، وفي بعض الأحيان في بيئة عمل سيئة، وقد تتحمل التحرشات والمضايقات الجنسية لئلا تخسر وظيفتها التي تصرف منها على أبنائها، هنا أجد اللحظة المناسبة لأحدثهن كيف أن الزواج في مجتمعي يحمي المرأة من الوقوع في مثل هذه الظروف، فهي غير مطالبة سواء في حالة الزواج أو الطلاق أن تتكبد عناء توفير الماديات لأبنائها (إلا برغبتها) حتى إن كانت غنية، بل إن الرجل ملزم بأن يصرف عليها هي نفسها، مما يوفر للمرأة استقلالية مادية، في حين هناك زوجات في أميركا بنسبة كبيرة ينفقن بإلزام قانوني على أبنائهن بل حتى أزواجهن بعد الطلاق لأنهن يتقاضين رواتب أعلى من رواتب أزواجهن! أما في مجتمعاتنا فإنه بموجب عقد الزواج لا يمكن أن يخلّف رجل أبناءً ثم يتنصل من مسؤوليته عليهم بسهولة، وإن ثبت ذلك فالقانون يقف في صف المرأة، ثم أستمتع بعد ذلك بنظرات الدهشة على وجوه محدثاتي عندما أخبرهن بأن القانون يلزم (الأب) بدفع راتب خادمة تقوم بأعباء المنزل، والمفارقة أنه غالبا هذا النقاش ينتهي بسؤال إحداهن للأخرى: لماذا ليس لدينا مثل هذا النظام؟! في ظل معرفتي بالقوانين والعراقيل الأميركية أتفهم نفور المرأة والرجل من الدخول في معمعة الزواج، ولكن في المقابل أجد الفتاة العربية تقلد هذا السلوك تقليدا أعمى دون عقد المقارنات العادلة بين الزوجة في المجتمع الغربي والعربي، ويحظين في هذا بمباركة بعض النسوة اللاتي يعتقدن أن إقصاء الجنس الآخر هو السبيل إلى تمكين المرأة من حقوقها. إن الحركة النسوية، ولكونها حركة حقوقية تسعى إلى عودة "الحقوق لمجاريها"، حركة جيدة؛ فلم يعد مقبولا أن يركن المجتمع هذا الكائن الذكي (المرأة) في الزاوية المهمشة، وخصوصا أن من مصلحته أن يقوم بالعكس، لكن النسوة العربيات يجب ألا يضعن في مطالباتهن نصب أعينهن التجربة الغربية، فالمرأة في الغرب مطالبها تختلف كثيرا عن مطالب نظيرتها العربية، وعليه فإن اختلاف الأهداف يوجب اختلاف الأساليب والخطط، فلا يمكن أن يقتدي صياد السمك مثلا في أساليبه بصياد الغزلان من منطلق أنّ كليهما صيّاد! ولنأخذ مثالا بغاية البساطة، إذ خرجت أصوات نسائية تنادي في الغرب بتقبل المرأة المشعرة، وهذا المطلب (إن) وجد قبولا في الغرب فإن الفطرة الأنثوية للمرأة العربية تأباه تماما، فالنساء العربيات مشهورات بالجمال والرقة وحب الزينة. نعود بعد هذا المثال البسيط إلى القضية المعقدة وهي نفور النسوة العربيات من الزواج، ذلك أنهن يرين أن الزواج هو السبب في هضم حقوقهن، أو أنه على أقل تقدير عامل رئيس لذلك، وهنا مكمن الخلل، إذ بدلا من تصحيح الوعي المجتمعي حول منظومة الزواج نجد هناك من يتمنين نسفها! هل تعتقد النساء أنه هذا الحل سيُنهي جميع مشاكلهن وستتحسن مكانة المرأة في المجتمع العربي؟ فلنتخيل لو أن أحدا وجد بعض العيوب في واجهة بيته وبدلا من أن يقوم بترميمها أو إصلاح عيوبها يقوم بهدم البيت ظنّاً منه أن ذلك أسهل، وهو ما يمكن أن يوسم بالغباء لاسيما عندما لا يكون لديه خطّة بديلة لما بعد الهدم!
لربما يُظن أن هناك مبالغة في الإقرار بنفور النسوة من الزواج، لكن على أرض الواقع ما يشير إلى ذلك، بل تجد بعض الفتيات يصفن المرأة التي "اختارت" أن تكون ربة منزل بأنها مسلوبة الإرادة، ويشرن إليها بمصطلحات مثل "عبدة الذكور"، ويتهمنها بعدم فاعليتها بالمجتمع وتخلفها عن ركب التطور، وهي اتهامات تخلو منها الحجة المنطقية. إن الانتقاد لم يقف عند مؤسسة الزواج بل تعداه إلى منظومة الأسرة بأكملها، مما يضعنا في مواجهة السؤال: مجتمع بلا أسرة، وماذا بعد؟!