نقطة : أبو التجربة التونسية!
نجاح التجربة التونسية - حتى الآن - لا يعني بالضرورة جودة أداء الرئيس المنتخب قيس سعيّد، فهذا الخلط الحاصل بين المرشح الفائز ولغته المميزة وثوريته الحالمة وبين آلية وصوله والثقافة الحاضنة، قد يغيّر نظرتنا إلى التجربة برمتها بتغيّر نتائجها، فالكثيرون ممن يطبّلون اليوم للتجربة التونسية ومثاليتها، بسبب وصول سعيّد إلى قصر قرطاج، كانوا يولولون عليها بالأمس عند نجاح قايد السبسي، يرحمه الله.وما يثير الانتباه تجاه التجربة التونسية أن أكثر المبشّرين بها والداعين إلى التمثّل بها اليوم، وخصوصاً بعد نجاح الأستاذ الرئيس قيس سعيّد، هم أبعد الناس فكرياً وسياسياً عن أصولها وتاريخها ومضامينها أيضاً، ففي الغالب هم إمّا من مكاسير اليسار أو من الإخوانجية المستترين والـ"نيوك لوك".
بينما التجربة التونسية التي يعايرون خصومهم أو دولهم بها هي نتاج إرث سياسات الحبيب بورقيبة العلمانية العقلانية العميقة الغور، والتي لو طبّقت في دولهم أو دعا غيرهم إليها، لقاموا هم أنفسهم بمحاربته والتكالب عليه، بل وربما تكفيره، فهي ليست وليدة الحناجر والخطابات الفارغة التي ينتمون إليها، أو يدافعون عنها في أفضل الأحوال، فما وصل إليه الشعب التونسي اليوم جاء بعد سنوات من الاستثمار في التعليم وتجميد المؤسسات الدينية والكثير من القوانين الاجتماعية التي غيّرت من طبيعة وأفكار المجتمع وأوصلته إلى ما يدّعيه البعض من أنهم يطمحون للوصول إليه.تحارب السبب وتعجبك النتيجة، فإذا زرعت حسن البنا فلن تنبت لك الأرض مانديلا، وهكذا تأتي حضرتك المعجب بجمال عبدالناصر مثلاً وتستميت في الدفاع عن أخطائه ومرحلته وحُكمه الشمولي، ومعك رفيقك المؤقت المغرم بأفكار سيد قطب والمنضوي تحت جماعة أساسها السريّة والسمع والطاعة، فيدافع عنها ويريد عكسها، وجميعهم أعلاه خريجو مدارس الأنظمة والجماعات والأيديولوجيات الشمولية التي كانت تحارب الحبيب بورقيبة، فكأنكم تنابزون الآخرين بإنجازات عدوكم، ولا أدري إن كان ذلك هبلاً وجهلاً أم استهبالاً وتجاهلاً.الخلاصة أن التجربة التونسية إنجاز بورقيبي خالص، والشعب التونسي لم يصحُ من النوم ويجد نفسه مثالياً، كما تزايدون عليه هذه الأيام.