سيكون الغزو التركي لسورية، غداة إعلان ترامب المفاجئ سحب قوات بلاده من الحدود السورية التركية، كفيلاً باضطراب مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، مقابل ترسيخ مكانة إيران وروسيا وحتى الصين في الشرق الأوسط، فقد أثبت هذا القرار مجدداً عدم مصداقية الأميركيين بعدما خانوا حلفاءهم الأكراد، وفرض ضغوطاً إنسانية جديدة على حكومة إقليم كردستان التي تَحِدّ مقاطعة "روج آفا" الكردية السورية وتبذل قصارى جهدها للحفاظ على علاقات حسنة مع واشنطن والغرب، وقد يؤدي هذا الوضع إلى توجيه ضربة إسرائيلية مباشرة ضد إيران رداً على أي استفزاز إيراني جديد.كانت إيران وروسيا تفضلان طبعاً ألا تتوغل تركيا في سورية بدرجة إضافية، حتى أن المتحدث الإيراني عبّر عن هذا الموقف بكل وضوح، لكن يسهل أن تستفيد طهران وموسكو، وحتى بكين من انهيار المصداقية الأميركية على نطاق واسع في المنطقة، إذ خانت الولايات المتحدة الأكراد سابقاً، بدءاً من معاهدة "سيفر" التي فككت الإمبراطورية العثمانية لكنها تجاهلتهم في عام 1920.
وفي آخر خمس سنوات لم يحاول الأكراد وحدهم طلب المساعدة الأميركية ضد "داعش"، بل كانت واشنطن تحتاج إلى الأكراد بالقدر نفسه لخوض معركة برية ضد المتطرفين الإسلاميين.لم يتعرض الأكراد وحدهم للخيانة من الجانب الأميركي، إذ يعتبر قادة باكستان منذ سنوات أن الولايات المتحدة ليست "حليفة جميع المواسم"، حيث قدّمت واشنطن دعماً عسكرياً إلى إسلام أباد حيناً وحرمتها منه أحياناً، كذلك أثبت دعم روسيا وإيران لحليفهما السوري القديم، رغم إعلان أوباما وقادة آخرين أن بشار الأسد يوشك على السقوط، أن موسكو وطهران ليستا "حليفتَي جميع المواسم" أيضاً بالنسبة إلى اللاعبين الإقليميين.تكلم رئيس الوزراء الإسرائيلي حديثاً عن معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة ومع دول الخليج العربي أيضاً، علماً أن واشنطن شجّعت الطرفين على التعاون معاً ضد إيران، لكن يعتبر الإسرائيليون استعداد ترامب لتقبّل اعتداء صريح على حليف قاتَل ومات إلى جانب الجنود الأميركيين تطوراً خطيراً.بسبب قرار ترامب المتهور في سورية قد تستنتج إسرائيل أن الولايات المتحدة لن تسارع إلى الدفاع عنها في حال تعرضها للهجوم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بالصواريخ أو الطائرات الإيرانية بلا طيار، لذا أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ أيام أن إسرائيل لن تكتفي بضرب منشآت النفط الإيرانية، بل ستستهدف طهران بحد ذاتها. النتيجة حتمية في هذه الحالة: سيشتعل الوضع بين أقوى اللاعبين النافذين في المنطقة، لكن رغم رغبة ترامب في تجنب الحرب فمن المستبعد أن تكتفي الولايات المتحدة بمراقبة هذا الصراع عن بُعد. حين خانت واشنطن الأكراد السوريين أضعفت بذلك استقرار الأكراد العراقيين أيضاً، وذلك رغم التباعد النسبي بين الطرفين، كذلك، أوضحت حكومة إقليم كردستان أنها تعجز عن استقبال مئات آلاف اللاجئين الإضافيين، إلى جانب أكثر من مليون لاجئ آخر سبق أن استقروا في إقليم كردستان العراق. تبدو موارد حكومة الإقليم ضعيفة بما يكفي في الوقت الراهن، ولا يستطيع جيشها التعامل مع تدفق أعداد جديدة من الأكراد السوريين، لكن قد يُشجّع قرار ترامب "داعش" على إطلاق هجوم جديد ضد قوات "البشمركة" الكردية المحاصرة والضعيفة.يبدو أن ترامب منشغل بالتحقيق المرتبط بعزله لدرجة أن يحصر تركيزه بوعده الانتخابي الذي يقضي بسحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط وعدم خوض أي صراع جديد. من وجهة نظره الأكراد أشخاص أنانيون لم ينشروا قواتهم في "شاطئ أوماها" في يونيو 1944، ومن الواضح أن قُصْر نظره هائل وهو يضاهي مستوى جهله للوقائع الدولية.إذا اضطرت الولايات المتحدة لإرسال قواتها إلى المنطقة مجدداً لمحاربة "داعش"، أو عادت في أسوأ الأحوال لمساعدة إسرائيل في حرب شاملة جديدة في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يلوم ترامب إلا نفسه!* دوف زاخيم* "ذي هيل"
مقالات
قرار ترامب في سورية كارثة حقيقية!
21-10-2019