جدل «الأحزاب» مثل «حقوق المرأة»
جدل تقنين الأحزاب هو جدل جديد نسبياً على الساحة السياسية الكويتية، مقارنة بالجدل الذي دار حول حقوق المرأة السياسية، والذي استغرق ٣٤ سنة لحين إقراره في ٢٠٠٥. خلال تلك الفترة اعترض المعترضون، من الحكومة ومن النواب الحكوميين أو بعض المعارضين المعلَنين إصلاحيين، ومع ذلك كانوا ضد حقوق المرأة. أقرت حقوق المرأة، فسارع معارضو حقوقها بكل تلاوينهم، لتشكيل لجانهم النسائية للحصول على صوتها، واتضح أنه لم تسقط علينا السماء بسبب دخول المرأة الحلبة السياسية، بل كانت ممارسة عادية بلا إفراط ولا تفريط.جدل تقنين الأحزاب، وهو ما يفترض أن يسمى به، كون الأحزاب موجودة منذ زمن طويل، مشابه في المسار ومختلف بالتفاصيل، ولكنه أقل إثارة؛ إذ إن الكثير من الناس ربما لا يحبذون الأحزاب، وأغلبية الناس غير منتمين حزبياً؛ ربما لأن سمعة الأحزاب العربية غير جيدة. بصرف النظر عن أن الديمقراطية لا تستقيم بلا أحزاب.الجديد في الأمر أن مجلس القضاء الأعلى أبدى رأياً في مشروع قانون حول الأحزاب في مجلس الأمة، جاء فيه أن "إنشاء الأحزاب السياسية في الكويت لا سند له ومحظور"، مضيفاً: "الأحزاب السياسية تمثل تهديداً على البلاد وخطراً على الحكم الديمقراطي". ومع أن الأحزاب بمعانٍ مختلفة قد جاء ذكرها بعدة مواد دستورية، كما أنه من غير المفهوم وجود حكم ديمقراطي بلا أحزاب، إلا إن كان المقصود تلك الديمقراطية الهشة كديمقراطيتنا.
لا نناقش رأي القضاء، ولكن هل من اختصاص القضاء إبداء الرأي في مشاريع القوانين قبل صدورها؟ المؤكد هنا هو أن للمحكمة الدستورية إبداء الرأي من خلال حكم بمدى تطابق قانون مع الدستور، مثل البصمة الوراثية وقانون الجوازات وغيرهما. الرأي القضائي لا يعدو كونه رأياً سياسياً، وهو رأي مطروح وله مؤيدوه، ومن غير الملائم دخول القضاء في جدل سياسي حول فكرة أو مشروع قانون لم ير النور بعد، ففي ذلك تجاوز على السلطات.نأتي الآن لفقه الواقع، حيث يوجد في الكويت على الأقل ١٧ حزباً سياسياً، تستخدم الأغلبية الساحقة منها مسميات كـ: منبر أو حركة أو ائتلاف أو تجمع أو تآلف أو مجموعة أو تيار، أو غير ذلك، إلا أنها حسب الفقه السياسي ليست إلا أحزاباً، فمن يحدد كينونة الحزب هم مؤسسوه، لا القانون ولا المعطيات العامة. بطبيعة الحال، تلك الأحزاب تختلف من حيث حجمها أو من حيث إمكانياتها أو عدد منتسبيها أو مدى قربها للحكم من معارضتها لها أو حتى جديتها، فبعضها يولد في بداية الأسبوع ليتبخر في نهايته، وبعضها أحزاب جادة حاضرة. المهم هنا هو أن الحكومة تتعامل مع تلك الأحزاب أو بعضها، وتتشاور معها بالتشكيلات الحكومية المتعاقبة، ويحدث أن تشارك تلك الأحزاب بوزراء، بعضهم من القيادات. على المستوى العلني تزور الحكومة مقار تلك الأحزاب، وبالذات خلال الغبقات الرمضانية، غالباً بشخص رئيس الوزراء. ربما كانت الكتل البرلمانية منذ بداية التسعينيات تجربة في طريق الأحزاب، ولكن لظروف وأسباب كثيرة تبددت تلك التجربة وتفتت كالشمع في شمس الظهيرة.فالأحزاب لا يمنعها دستور، فلا تستقيم الديمقراطية إلا بها، وهي موجودة وقائمة على الأرض، معترف بها بحكم الواقع من الحكومة، وتتعامل معها، والمطلوب هو تقنينها بدلاً من تركها تعمل دون ضوابط، ودون كشف حساب وشفافية.