ما مصدر الإلهام؟!
دائرة المعارف البريطانية تشرح في طبعتها الرابعة والعشرين الصادرة في عام 1954 بمجلدها رقم 22 صفحة 398 حدوث ظاهرة الإلهام التلقائي عند الكثيرين من الفلاسفة والشعراء والموسيقيين والرسامين، وغيرهم ممن تركوا للإنسانية فعاليات تناسلت على أيدي غيرهم منذ القدم، حتى وصلت إلى عصرنا الراهن، وبعضها كُتبت له ديمومة لمستقبلٍ قد لا ينتهي إلا في نهاية هذا العالم.***• ولنأخذ بعض الأمثلة على ألسنة مَن تيسَّر لي الاطلاع على ما قالوه عن علاقتهم بالإلهام:
• سقراط كان يردد: الإلهام كان يملي عليَّ الآراء التي كنتُ أبثها بين الناس، وقال لقضاته أثناء محاكمته: إن ما يدفعني هو ذلك الصوت الإلهامي، وكأنه يأتيني من الأبدية، فلا تسألوني لماذا أشغل نفسي بالأفكار التي تُوحى إليَّ.• الشاعر تيسون يقول: أثناء كتابتي القصيدة كنت أتحوَّل إلى حالة غير طبيعية، لأن الكلمات التي أكتبها تأتيني من مكانٍ بعيد الغور، وكأنه من خارج هذا العالم.• الشاعر ألفريد دي موسيه يقول: أنا لا أفعل شيئاً، لكني أسمع ما يُلقى إليَّ، فأنقله وكأن شاعراً مجهولاً يناجيني.• وقال غوته عن روايته "آلام ڤارتر": لقد كتبت هذه الرواية وأنا غير واعٍ، كما لو كنتُ في غيبوبة مغناطيسية حركية، حتى لتأخذني الدهشة عندما أقرأها.• والفيلسوف شوبنهاور يقول: إن آرائي في الفلسفة جاءت بدون تدخلٍ مني، لكنها كانت تحمل إرادتي التي يُوحى إليَّ بها.• ومما قاله ديكارت: إلهام الشعراء منبع لحكمة تفوق فلسفة الفلاسفة، لما يحتويه من عوالم غير ظاهرة لنا.*** • وهناك الإلهام الذي يأخذ طريقه لأُناسٍ في سنٍ مبكرة، فيبزون به الكبار في مجالات إبداعية، كالموسيقى والرسم والرياضيات واللغات، وغير ذلك:• موزارت، مثلاً، كان يعزف على البيانو بشكل مذهل وهو في السادسة من عمره، وألَّف أوبريتين، ولحناً كنسياً، وقاد أوركسترا وهو في الحادية عشرة.• وبيتهوڤن يكاد يكون قد مرَّ بنفس تجربة موزارت وهو دون سن العاشرة.• وطاغور كان يرسم بمهارة فائقة قبل أن يتعلم القراءة.• أما باسكال، فكان شغوفاً بالرياضيات منذ طفولته، وفي سن السادسة عشرة كتب مؤلفه الكبير (مفصل الأشكال المخروطة).• وقد حصل ڤيكتور هيغو على جائزة الأكاديمية في تولوز وهو في الثالثة عشرة من عمره.• عالم النفس يونغ تعلم القراءة وهو في سن الثالثة من عمره، ولما وصل إلى سن الثماني سنوات كان يتقن 6 لغات.***• وهناك الكثير غير النماذج التي ذكرتها، وبعضها في عالمنا العربي والإسلامي... ففي العراق ظهر طفلٌ في أواخر الخمسينيات، يقوم بحل عمليات حسابية معقدة بسرعة متناهية، وقد شاهده الناس عبر التلفاز.وطفل آخر إذا ما ذكرت له أي مفردة من آيات القرآن الكريم كان يكملها وهو في سن الرابعة.• أعود لسؤال عنوان المقال: هل الإلهام مقتصر على أفراد معينين؟! أم أنه ظاهرة إنسانية لا يلتفت إليها البعض فيهملها؟!