ضمن الموسم الثقافي لمركز جابر الأحمد الثقافي شهدت قاعته المستديرة إقامة فعالية "حديث الاثنين"، التي استضافت الباحث محب جميل، الذي قدم محاضرة بعنوان "الغناء المصري في النصف الأول من القرن العشرين: صالح عبدالحي وفتحية أحمد نموذجاً"، بحضور جمع من المهتمين.

وأدار د. فهد الفرس المحاضرة التي قدمت للحضور معلومات تفيد بأنه مع بزوغ فجر القرن العشرين، أدت الأسطوانة الحجرية دوراً خطيراً في الحياة الموسيقية عند دخولها مصر أول مرة في عام 1903، وتعرف الجمهور من خلالها على طيف واسع من الأصوات التي أثرت الحياة الفنية، وكان من بينها صالح عبدالحي، وفتحية أحمد.

Ad

وخلال المحاضرة استمع الحضور أيضاً، إلى مقتطفات غنائية لكل من فتحية وعبدالحي نالت إعجابهم واستحسانهم. ووصف الفرس موضوع المحاضرة بأنه شائق، ذو طابع فني، وموسيقي، وتاريخي بالتحديد، مؤكداً "أن جميل اختار موضوعاً من النادر أن يتناوله أحد وعن الشخصيات الفنية التي لها أثر كبير في الغناء العربي".

من جانبه، قال الباحث جميل إن "فتحية أحمد مطربة مصرية لم تنل الشهرة بالقدر الكافي، ورحلت في الخامس من ديسمبر عام 1975، وهي من أسرة فنية، ووالدها هو الشيخ أحمد الحمزاوي الذي كان منشداً"، موضحاً أن "شهرتها بدأت عندما لحّن لها أستاذ أم كلثوم الشيخ أبوالعلا محمد، والتحقت بفرقتَي نجيب الريحاني وعلي الكسار، فأصبحت من ألمع مطربات المسرح الغنائي، وتخطت شهرتها الحدود المصرية ووصلت إلى بلاد الشام، فباتت تلقب بـمطربة القطرين، كما كان يطلق على الأديب الكبير خليل مطران، شاعر القطرين".

كبار الملحنين

وأضاف جميل أن الجمهور أقبل على حفلات فتحية وأسطواناتها التي كانت تباع على نطاق كبير جداً، وكذلك على ما تقدمه عبر الإذاعة من أعمال لكبار الملحنين، أمثال سيد درويش وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وأحمد صدقي وآخرين، مشيراً إلى أنها كانت تمتلك إمكانات صوتية قوية، وأسلوباً مميزاً في الغناء، فكانت أنموذجاً فريداً في القدرة على التصرف والارتجال داخل مسار اللحن، وأصبحت مدرسة قائمة بذاتها.

ولفت إلى أنها مرت في فترة الأربعينيات بالكثير من المشاكل، وتوقفت عن الغناء عام 1964، وكانت في آخر أيامها تمر بمعاناة.

مدرسة كاملة

وعن المطرب الكبير صالح عبدالحي، قال جميل إن صيته ذاع بصورة أكبر من فتحية أحمد، وتأثّر بخاله وأخذ مكانه تدريجياً، وهو ما ساعده بصورة كبيرة في البدايات، موضحاً أن عبدالحي تعلّم الغناء بشكل عصامي، ثم انخرط مع جماعة يطلق عليها "الصهبجية"، يؤدون أغاني شعبية بسيطة، كما كان يغني في مناسبات الأفراح، إذ كان بمنزلة مدرسة كاملة في القرن التاسع عشر بقدرات صوتية كبيرة، وسجل مع شركات الأسطوانات الكبيرة.

وكشف أن عبدالحي كان مقرباً من السرايا الملكية في مصر، وهو الوحيد الذي غنى في "سبوع الملك فاروق"، كما تزوج مرة واحدة سراً، ومن ثم لم يكن لديه أسرة.

إرث موسيقي

وأضاف أن عبدالحي حمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على إرث موسيقي ضخم، وانطلق مع رائدَي النهضة الموسيقية عبر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عبده الحامولي، ومحمد عثمان، كما أعاد تقديم إنتاج الرواد الكبار بحنجرته الأصلية عبر وصلاته الغنائية، فكان واحداً من أعلى المطربين أجراً، وأحد الذين افتتحوا الإذاعة المصرية مع القارئ الشيخ محمد رفعت وأم كثلوم ومحمد عبدالوهاب وسامي الشوا، موضحاً أن عبدالحي وفتحية واجها مشاكل في الإذاعة، إذ تم التضييق على الأول بتقليل مساحته الغنائية في الإذاعة.

صعوبات البحث

وبشأن الحصول على المعلومات عن عبدالحي وفتحية، قال جميل إنه واجه صعوبات لكشف تاريخهما، فشخصية فتحية أخذت منه وقتاً طويلاً في إيجاد المعلومات الدقيقة، ومن جولاته في البحث أنه زار أرشيف المؤسسات الصحافية، إذ أضاف كل معلومة وجدها إلى غيرها بغية إكمال سيرة الفنانة.

أما في شخصية عبدالحي فقد كان الوضع مختلفاً، إذ استعان جميل بالمذكرات التي نُشرت كحلقات في مجلة "صباح الخير"، مشيراً إلى أن المفارقة تمثلت في أن المجلة كانت اجتماعية سياسية، وليست ذات طابع فني كمجلة "الكواكب".

يذكر أن محب جميل شاعر وكاتب وباحث مصري، درس الصحافة والترجمة، وكتب لعدد من الصحف والدوريات المصرية والعربية، ومن مؤلفاته كتاب "فتحية أحمد، مطربة القطرين: سيرة فنية" عام 2017، وكتاب "صالح عبدالحي، فارس الطرب: سيرة فنية" عام 2019.