هل انتهت مهلة «بريكست»؟
غيّر الشعب البريطاني رأيه بشأن خطة «بريكست»! بدءاً من صيف 2017 وصولاً إلى صيف 2018، وبهامش أوسع بكثير، أعلن البريطانيون في استطلاعات الرأي أنهم ارتكبوا خطأً حين صوّتوا في الاستفتاء المرتبط بخطة «بريكست» في يونيو 2016.لكن خلال الفترة نفسها، أصبح حزب المحافظين البريطاني أكثر التزاماً بخطة «بريكست». يفضّل 63% من مناصري هذا الحزب أن تنفصل اسكتلندا عن المملكة المتحدة بدل التخلي عن مشروع «بريكست»، ويقبل 61% من المحافظين بتضرر الاقتصاد البريطاني بدرجة كبيرة في سبيل إقرار «بريكست»، ويوافق 59% منهم على التخلي عن أيرلندا الشمالية، ويفضّل 54% منهم أن يتدمر حزب المحافظين بحد ذاته بدل تقديم التنازلات في ملف «بريكست».لذا يواجه رئيس الحكومة بوريس جونسون معضلة حقيقية، إذ يطالب حزبه بقرار لا يريده بلده، ولا يستطيع تمرير ذلك القرار عبر البرلمان. خسر جونسون أغلبيته الفاعلة في البرلمان، ولم يحقق الفوز في أي تصويت حول مسألة مهمة. لكن رغم المعارضة القوية لمشروعه داخل البرلمان، لا يستطيع جونسون الاستسلام لأن حزبه سيقضي عليه مثلما قضى على تيريزا ماي وديفيد كاميرون من قبله، لذا يبدو مضطراً لتكثيف ضغوطه ومواجهة الهزائم المتلاحقة. في فترة سابقة من التاريخ البريطاني، كانت حكومة جونسون ستسقط، وكانت الظروف ستفرض إجراء انتخابات جديدة، ونظراً إلى تراجع تأييد مشروع الحكومة الأكبر، كان المحافظون سيخسرون حتماً.
ترتبط جميع المناورات بالمهلة النهائية في 31 أكتوبر 2019، أي التاريخ المحدد لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يأمل جونسون إقرار اتفاق الانسحاب قبل 31 أكتوبر، أي المغادرة بحلول ذلك التاريخ، كي يتمكن حينها من فرض انتخابات جديدة، وحين تصبح «بريكست» غير قابلة للإلغاء في تلك المرحلة سيواجه الناخبون البريطانيون خياراً قاسياً: جونسون أم كوربين؟ من المتوقع أن يفوز جونسون بولاية مدتها خمس سنوات لإصلاح الضرر الذي سببه بنفسه نتيجة إقرار «بريكست».لكن تتوقف هذه الخطة على اختيار التوقيت المناسب، حيث اضطر جونسون منذ أيام لطلب إطالة المهلة مجدداً من الاتحاد الأوروبي، وإذا حصل على ما يريده، سيكون الوقت كافياً لاتخاذ إجراءات سياسية أخرى قبل أن تدخل «بريكست» حيز التنفيذ، وقد تشمل استفتاءً ثانياً.يستطيع جونسون أن يحاول قيادة بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي رغم تمديد المهلة، ويقول عدد من وزرائه إنهم مصممون على المضي قدماً بغض النظر عن توجه الرأي العام، لكن صوّت البرلمان على ضرورة أخذ الموافقة منه لانسحاب بريطانيا، وسيضطر جونسون لتحدي ذلك التصويت، حتى أنه قد يخالف القانون لإقرار «بريكست». سبق أن أعاقت المحاكم البريطانية مساره، حين حاول إرجاء جلسة البرلمان مع أنه يفتقر إلى أغلبية فاعلة في مجلس العموم. وإذا أصرّ على «بريكست» بما يخالف القانون، فلا مفر من أن تعوقه المحاكم مجدداً. يملك خصوم جونسون من مختلف الأحزاب في البرلمان الأصوات اللازمة لوقف انسحاب بريطانيا في مرحلة مبكرة ومنع أي انتخابات قريبة، لكن لا مفر من التساؤل: «هل لديهم الأصوات الكافية لفرض استفتاء آخر؟ سيكون الاستفتاء الثاني أكثر مرارة وإثارة للانقسام من الأول. سيشعر المصوتون ضد الاتحاد الأوروبي بأن النصر الذي سعوا إليه منذ عقود سُرِق منهم، بعدما شعروا أنهم فازوا أخيراً في عام 2016، ويتوقع عدد من مؤيدي «بريكست» حصول اضطراب مدني ما لم يحصدوا مكافأتهم المنتظرة.إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الكلام المتشدد حقيقياً؟ استناداً إلى أغلبية اثنين لواحد، يريد البريطانيون إجراء استفتاء ثانٍ حول الخروج النهائي من الاتحاد الأوروبي، وتكشف الاستطلاعات أن مؤيدي البقاء في الاتحاد سيفوزون هذه المرة بشكلٍ شبه مؤكد وبهامش أوسع من النتيجة التي حققها مؤيدو الانسحاب في المرة الأخيرة.ينجم التبدّل الحاصل في بريطانيا عن تغيّر الأجيال الناشطة، حتى الفترة الأخيرة، كانت بريطانيا معروفة بضعف تعلّقها بالهوية «الأوروبية»، وعشية التصويت على «بريكست»، اعتبر 15% فقط من الشعب البريطاني نفسه «أوروبياً»، وهي أقل نسبة تُسجّلها دولة كبرى في الاتحاد الأوروبي حتى ذلك الوقت، لكن تعلّقت أبرز الآثار المفاجئة للجدل حول «بريكست» في بريطانيا بتبني فئة الشباب هوية سياسية أوروبية للمرة الأولى. غالباً ما يستعمل مؤيدو «بريكست» عبارة «الآن أو أبداً» للتعبير عن أهمية مشروعهم، لكن في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، اعتبر البرلمان البريطاني أن «الوقت الآن ليس مناسباً»، وفجأةً وللمرة الأولى منذ يونيو 2016، أصبح احتمال ألا يتحقق المشروع «أبداً» خياراً ممكناً في نهاية المطاف. * ديفيد فرام*«أتلانتيك»